[إثبات نزول الآية في علي # والجواب عن الشبه]
  المؤمنين # - فقرأ النبي ÷ هذه الآية على أصحابه، فقالوا: رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين، وإطباق أهل النقل حجة في طريق النقل كما أن إطباق القراء حجة في القراءة، ولا يعترض مثل هذا المخالفة للمتكلمين ولمن يجري مجراهم، إذ لم يرجعوا في دفع ذلك إلى نقل يعارضهم، وما ذهب إليه السائل يوجب صرف الآية عن ظاهره وعمومه، وصرف قوله تعالى {ويؤتون الزكاة وهو راكعون} عن حقيقته، وحمل الجملة للآية على خلاف ما أطبق أهل النقل عليه، فبان بما أوردناه سقوط تأويله.
  فإن قال: قد روى أهل النقل ما يعارض هذا، وذلك ما روي أن سبب نزول هذه الآية أن بني قينقاع من اليهود سألوا عبدالله بن أبي بن سلول، وعبادة بن الصامت، لأنهما كانا حلفاً لهم، أن يسألا رسول الله ÷ العفو عنهم، لما أراد قتلهم، فأما عبدالله فإنه سأل، وأما عبادة فإنه امتنع من ذلك وقال: أنا لا أوالي الكافرين وإنما أوالي المؤمنين، فأنزل الله تعالى هذه الآية؟.
  قيل له: هذا لا يعارض ما ذكرناه، لأن أحد الخبرين لا يعارض الآخر إلا إذا كانا ثبوت مقتضاه يقتضي نفي مقتضى الآخر، فأما إذا شاع ثبوت مقتضاهما ولم يتنافيا لم يتعارض الخبران، ولا يمتنع أن يكون سبب نزول الآية الأمرين جميعاً، فبان بطلان ما ادعاه السائل من تعارض النقل في هذا الباب.
  ووجه آخر: يسقط هذا السؤال، وهو أن حمل الآية على ما حملناه عليه ليس فيه عدول عن الظاهر ولا عن حقيقته على ما ظنه السائل، لأن لفظ الجماعة إن كان حقيقة في أصل اللغة، فإن استعماله في الواحد إذا قصد به التعظيم قد صار حقيقة، ولا يمتنع أن يكون اللفظ في الأصل مجاز في بعض المواضع ثم يصير حقيقة فيه لكثرة الإستعمال، حتى إذا أطلق لم يعقل سواه.
  ألا ترى أن السلطان إذا قال: فعلنا وصنعنا، لم يعقل من اللفظ الجماعة، وإنما يعقل هو وحده، وكذلك لا يقول أحد إن قوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} مجاز، فكذلك حمل قوله تعالى {يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} على الحال دون الإستقبال لا يوجب استعماله على غير التوسع، لأن استعمال اللفظ على هذا اللفظ ليميز الموصوف عن غيره بصفة ليس بمجاز، بل لا يفيد إطلاقه إلا الحال، لأن الملك لو أراد أن يبين لبعض أصحابه من الإختصاص لموالاته ونصيحته ونصرته ما ليس لغيره، وأن يسموه باسمه، فقال: أوليائي المختصون بي هم الذين يثبتون في الحرب بين