الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الكلام على شبه القائلين بإمامة أبي بكر وبيان فسادها

صفحة 58 - الجزء 1

  ومنها: أنه لو كان منصوصاً عليه لوجب أن يورد ذلك في يوم السقيفة لما انتصب للكلام ومحاجة الأنصار، ودفعهم عما حاولوه، لأن ذلك لو أورده لكانت الحجة فيه أقوى وأظهر، مما عدل إليه، ولا يجوز من العاقل الذي يريد بياناً في أمر من الأمور أن يعدل عن الدليل الأوضح الذي لا لبس فيه ولا شبهة، إلى ما هو دونه في الوضوح وفي البعد من اللبس والشبهة مع التمكن وانتفاء الموانع، فلما لم يورد ذلك ولم يحتج به على وجه من الوجوه بان فساد ما ادعى في هذا الباب.

  ولا يلزمنا مثل ذلك فيما نذهب إليه من النص على أمير المؤمنين # لوجهين:

  أحدهما: ما بيناه وهو أنه # لم يحضر الموضع، ولم يتمكن من إيراد الحجج والأدلة، ولم يشاور في الأمر، ولم يسمع منه، وليس هكذا حال أبي بكر، لأنه حضر وانتصب للكلام، وسمع منه وصغي إليه.

  الثاني: أن النص الذي ورد فيه # ليس هو مما يضطر الناس إلى المراد به، وإنما يعلم ذلك إذا نظر الناظر فيه، واستدل به من الوجه الذي يدل عليه، والمعلوم من حال ما يجري هذا المجرى من الأدلة ألا ينتفع بإيراده إذا لم يكن الحال حال البحث والنظر، بل كانت مبنية على المبادرة إلى إمضاء أمر قد اعتقدوا إمضاءه، وانتهاز الفرصة فيه، وترك الإكتراث بما يخالف ذلك لشبهة دخلت عليهم أو ما يجري مجراه.

  ومنها: أنه لو كان منصوصاً عليه لم يستقل ويطبق هو وعمر على أن تلك البيعة كانت فلتة وقى الله شرها، ولم يجز أن يقول بايعوا أحد هذين من شئتم منهما - يعني عمر وأبا عبيدة بن الجراح -.

  وليس لهم أن يقولوا إنما قال ذلك ليعرف ما في أنفس القوم من الإنقياد له أو خلاف ذلك، لأن هذا يفسد من وجهين:

  أحدهما: أن إطلاق ذلك يوهم كونه غير منصوص عليه، ولا يجوز أن يفعل ما يوهم ذلك، و يطرق منها أيضاً لمن في نفسه مخالفته، دفع النص عليه تعلقاً بهذا القول، فكيف يجوز أن يفعل ذلك طريقاً إلى تعريف النص عندهم، وهو لا يأمن أن يصير ذلك حجة لمن يتهم بالمخالفة.

  والثاني: أن ذلك يقتضي أن يكون قد أساء الظن بعمر وأبي عبيدة بل بجماعة الصحابة، وظن أنهم ينكرون نصاً من النبي ÷ قد اضطروا إليه، وهذا لا يجوز عليه عندهم.