[إبطال الإحتجاج بقوله تعالى {ستدعون إلى قوم} على إمامته]
  عذبهم، وهذا لا يقتضي إمامة أحد على وجه من الوجوه، لأن الدعاء على القتال قد يقع ممن ليس بإمام كما يقع من الإمام، وقد تكون إجابة الداعي إلى القتال واجبة، وإن لم يكن إماما في بعض الأحوال، لأن المسلمين لو خشوا تولي الكفار والبغاة متى لم يبادروا إلى قتالهم فانتصب أحدهم للدعاء إلى ذلك وغلب على الظن أنه إن لَم يُجَبْ لَحِقَ الإسلام ضررٌ عظيمٌ لكانت إجابته واجبة، وإن لم يكن إماماً ولا ممن يصلح للإمامة، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يصلح له كل واحد، إذا دعا إلى ذلك على شرائط مخصوصة.
  وقوله تعالى {فإن تطيعوا} إن حمل على أن المراد إن تطيعوا الداعي إلى القتال لم يدل على نفي الإمامة، لما بيناه أن الداعي إلى القتال قد تكون إجابته إلى القتال طاعة وإن لم يكن إماماً.
  وإن حمل على أن المراد به إن يطيعوا الله في إجابة هذا الداعي، كان أبعد في الدلالة على الإمامة، فثبت بهذه الدلالة أن ظاهر الآية لا يدل على الإمامة لما بيناه.
  وأما قول بعض المفسرين أن المراد بهذه الآية الدعاء إلى قتال الروم أو الفرس: فإن تسليمه وإن كان لا يضر في هذا الموضع لما بيناه فليس بحجة، كما أن قول بعض المفسرين من الشيعة لا يمكن أن يحتج به على المخالفين، ولو كانت أقاويل المفسرين مع اختلافهم مما يمكن أن يحتج به لورد على المخالفين ما لا قبل لهم به.
  ووجه آخر: وهو أن هذه الآية ليست بأن تحمل على دعاء أبي بكر إلى قتال من دعاهم إلى قتاله بأولى من أن تحمل على دعاء أمير المؤمنين # إلى قتال أهل البغي من الناكثين والقاسطين والمارقين الذين أخبره النبي صلى الله عليه وآله بأنه سيقاتلهم حاثاً له على ذلك وباعثاً ومرغباً فيه.
  فإن قال: لا يجوز أن يكون المراد بالآية ما ذهبتم إليه، لأنها يجب أن تكون محمولة على أول دعاء إلى القتال بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وليس ذلك إلا دعاء أبي بكر؟.
  فالجواب: أن ظاهر الآية إنما يقتضي وقوع هذا الدعاء في المستقبل على ضروب من التراخي، لأن دخول السين لا يوجب أكثر من ذلك، وليس فيها تعيين الوقت الذي يقع فيه، ولا فيها لفظ التعيين، فإيجاب حملها على أول الدعاء إلى القتال عقيب موت رسول الله صلى الله عليه وآله لا وجه له.