الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

فصل: في أن أمير المؤمنين # أفضل الصحابة عند الله وأكثرهم ثوابا

صفحة 84 - الجزء 1

فصل: في أن أمير المؤمنين # أفضل الصحابة عند الله وأكثرهم ثواباً

[الأول: فضيلة الجهاد]

  فمما يدل على ذلك: قول الله تعالى {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}⁣[النساء: ٩ ٥]، وقد علمنا أن المراد به أنه تعالى فضل المجاهدين لأجل الجهاد على كل مطيع ليس بمجاهد، فصارت الآية كأن الله قال فيها ثواب الجهاد أعظم من ثواب كل طاعة ليس بجهاد، وإذا كان هذا هكذا فكل من ثبت أن عناه في باب الجهاد أعظم، وجب أن يكون ثوابه أعظم وأكثر، وقد علمنا ضرورة من جهة الأخبار المتواترة أن عناء أمير المؤمنين # في باب الجهاد كان أعظم من عناء الصحابة الذين اختلف في التفضيل بينه وبينهم كأبي بكر وعمر وعثمان، ولأنه # مقطوع على مغيبه، لا يجوز وقوع الكبائر المحبطة للثواب منه، فوجب القطع على كونه أفضل من هؤلاء، وإذا كان أفضل منهم وجب أن يكون أفضل من سائر الصحابة، إذ لا أحد قال إنه أفضل منهم وليس بأفضل من جماعتهم، وإذا صح هذا ثبت ما قلناه أنه # أفضل الصحابة عند الله تعالى على جهة القطع.

  وبهذه الطريقة استدل صفوف أصحابنا المعتزلة على تفضيل من أنفق قبل الفتح وقاتل من الصحابة على سائرهم، فقالوا: (نقطع على أن هؤلاء أفضل عند الله تعالى ممن أنفق وقاتل من بعد، لقوله تعالى {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}⁣[الحديد: ١ ٠]، هذا مع العلم أن هؤلاء غير مقطوعين على بواطنهم، وقد قامت الدلالة على كون أمير المؤمنين # مقطوعاً على باطنه.

  فإن قيل قائل: لم قلتم إن المراد بالآية أن ثواب الجهاد أعظم من سائر الطاعات سواه؟.

  قيل له: لا خلاف بين المسلمين أن المراد بالآية بيان فضل الجهاد، ومتى لم تحمل الآية على ما قلناه من أن المراد بها أنه تعالى فضل المجاهدين لأجل الجهاد لا لأمر سواه، لم يفد هذا المعنى.