دليل آخر: [الإجماع على أن عليا أفضل الصحابة]
  قيل له: هذا اعتبار فاسد من وجوه:
  منها: أن هذا إنما كان يصح لو لم يكن لتقديم القوم له وجه سوى هذه الوجوه الأربعة فكان يستدل به في سقوط الثلاثة منها على ثبوت الرابع وهو كونه أفضلهم، فأما إذا جاز أن يكون تقديمهم إياه لوجوه أخر سواها لم يكن أن يستدل بهذه الطريقة على أن الداعي إلى تقديمه هو العلم بكونه أفضلهم.
  وعند أكثر أصحابنا من المعتزلة أنهم إنا قدموه لأن الحال اقتضت تعجيل العقد من حيث لم يؤمن انتشار الكلمة، وحدوث الخلة العظيمة إن أخر ذلك، وادعوا أن تقديم المفضول جائز متى كانت الحال ما وصفنا، والشيعة تذهب أن ذلك لأغراض ليس يحتاج إلى ذكرها.
  ومنها: أن قوله إن الصحابة، إن أراد به أن جميعهم قدموه فهذا موضع الخلاف، وقد بينا فيما تقدم فساد هذا القول، وإن أراد أن بعضهم قدمه فالإحتجاج بفعل البعض لا يصح.
  ومنها: أن الجماعة الكثيرة لا يمتنع أن تتفق على فعل واحد لأغراض مختلفة ودواعي شتى، فالإستدلال باتفاق الجماعة على فعل واحد على أن الداعي لهم إليه أمر لا يصح.
  فإن قال قائل: ما الذي يدل على فساد القول الثاني وهو القول بالوقف؟.
  قيل له: الدليل على ذلك سبق إجماع المسلمين بخلافه، لأن المسلمين من أيام الصحابة والتابعين إلى الوقت الذي ظهر فيه هذا القول إنما كانوا على قولين:
  أحدهما: القول بتفضيل أمير المؤمنين # على سائر الصحابة، وهؤلاء كانوا يعرفون بالشيعة.
  والقول الثاني: القول بتفضيل أبي بكر عليه، وهؤلاء كانوا يعرفون بالعُمَرِيَّةِ والعُثمَانِيَةِ، والشيعَةُ يسمونهم النواصب.
  والقول الثالث: لم يقل به أحد، ولا حكي في شيء من المقالات، ولم ينقله أحد من أصحاب الأخبار والآثار إلى الوقت الذي كان فيه أبا هذيل، فإنه ذهب هذا المذهب وتبعه على ذلك جماعة من معتزلة البصرة وبعض معتزلة بغداد، وإذا كان هذا هكذا بان بأنه مخالف للإجماع.