الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

دليل آخر: [الإجماع على أن عليا أفضل الصحابة]

صفحة 89 - الجزء 1

  يبعد أن يكون أبا بكر قال هذا القول لإظهار التواضع، وقسر النفس، وإزالة الشبهة، ولكن ذلك إنما يصح ويحسن على وجه من الوجوه الذي ذهبنا إليه وبيناه دون التأويل الذي ذهب إليه المخالفون.

  فإن قال: ما أنكرتم ألا يدل ظاهر هذا الخير على ما ذهبتم إليه، لأن الخير في اللغة هو النفع، يقال هذا خير من كذا: أي أنفع، وذلك لا ينبي عن الفضل المقصود في الوجه الذي بيناه، فصار حقيقة فيه، ومتى ورد وجب حمله عليه دون ما أفاد في أصل اللغة لما بيناه من أن قول المسلمين خير الصحابة فلان أو فلان، وخير التابعين فلان، وفلان خير من فلان، إنما يفيد هذا الوجه دون ما كان يفيده اللفظ في اللغة من المنافع، ولهذا قال النبي ÷ «خير الناس من نفع الناس» ولو كان اللفظ يفيد ما ذهبوا إليه لكان ÷ قد قال أنفع الناس للناس وهذا لا فائدة فيه.

  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون هذا الخبر قد عارضه ما يمنع من الإحتجاج به، وهو ما روي عن أمير المؤمنين # أنه قال (ألا إن خير هذه الأمة أبو بكر وعمر ولو شئت أن أذكر الثالث لذكرت)؟.

  قيل له: هذا لا يعارض هذا الخبر، لأنه من أخبار الآحاد، ونقله ضعيف أيضاً، والشيعة والمعتزلة أكثرها يدفعونه وينكرونه، وقد عارضه أيضاً ما هو أشهر منه، وهو قول أمير المؤمنين # لعثمان عند الكلام الذي جرى بينهما، فقال له عثمان: (أبو بكر وعمر خير منك)، فقال أمير المؤمنين #: (كذبت أنا خير منهما ومنك، عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما) إلى أخبار كثيرة في هذا الباب لو أردناها لطال الفصل بها، وليس هكذا الخبر الذي اعتمدنا، لأنه متواتر ومجمع عليه، وقد احتج به الشيعة وأكثر المعتزلة في التفضيل، وجملة المخالفين على التأويلين الذين ذكرناهما، وما أنكره أحد على وجه من الوجوه، وحسبك في هذا الباب قبول الجاحظ إياه اضطراراً إلى تأويله، مع تسرعه إلى تضعيف القوي فيما روي في فضائل أمير المؤمنين #، وتقوية الضعيف فيما روي في فضائل غيره في كتابه الذي نصر فيه العثمانية.

  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون في تقديم الصحابة - مع حصول العلم بأنه لم يكن أشرفهم نسباً، ولا أكثرهم أهلاً وعشيرة، ولا أكثرهم مالاً - دلالة على أنهم قدموه لعلمهم بكونه أفضل الجماعة؟.