تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الأنبياء

صفحة 319 - الجزء 1

  يقول الجهلة الكاذبون على أنبياء الله ورسله À، من قولهم: إن يونس خرج مغاضبا لربه، وليس يجوز ذلك على أنبياء الله À، وإنما كان ذلك كما ذكرت لك من غضبه على قومه، ومفارقته لهم واستعجاله دون أمر ربه، وهو قوله سبحانه لمحمد ÷: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}⁣[القلم: ٤٨] وهو يونس يقول: لا تعجل كعجله، واصبر لأمري وطاعتي ولا تستعجل كاستعجاله، فهذا معنى قوله: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}، وقوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أراد بذلك من قوله: {فَظَنَّ} أي: أفظن أن لن نقدر عليه؟! وهذا معنى الاستفهام، ويمكن حملها على الظن الحقيقي، ومعنى {نَقْدِرَ}، أي: نضيق، كما في قوله تعالى: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}⁣[الفجر: ١٦]، لم يكن ظن ذلك صلى الله عليه، وهذا مما احتججنا به في الألف التي تطرحها العرب، وهي تحتاج إلى إثباتها، وتثبتها في موضع وإن لم تحتج لها، مثل قوله: {لَا أُقْسِمُ}⁣[القيامة: ١] وإنما أراد ألا أقسم، وقوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}⁣[البقرة: ١٨٤] وإنما أراد: وعلى الذين لا يطيقونه فدية، فطرح الألف وهو يريدها، ومن ذلك قول الشاعر:

  نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا القِرى أن تشتمونا

  وإنما أراد: لأن لا تشتمونا، فطرح الألف واللام وهو يريدها، ومثل هذا كثير في الكتاب، وهي حروف الصفات.