ومن سورة الرعد
ومن سورة الرعد
  ١٠٤ - وسألت: عن قول الله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ثم قال: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}[الرعد: ٣١] فقلت: ما معنى هذا وهو لا يجري في نظمه؟
  فأما قول ذي الجلال {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} فإنما يريد: لو أنا جعلنا قرآنا تسير به الجبال المرسية، أو تقطع به الأرض المدحية، أو تنطق به الجثث الفانية، والمتمزقة في الأجداث البالية، لكان هذا القرآن، الذي نزله الرحمن، على محمد المصطفى، وأمينه المرتضى، فطرح سبحانه: لكان هذا القرآن. لعلمه بفهم المخاطبين، بما نزل في القرآن المبين، إذ كان في لغة العرب الذي نزل عليها، وجعل وحيا باقياً أبدا فيها، وشأن العرب أبدا الاختصار، فيما تنصه وتذكره من الأخبار، ومثل هذا وشبهه، فموجود في كتاب الله ووحيه، من ذلك قوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}[البقرة: ٩٣] فقال: العجل، والعجل فالقلوب لا تشربه، وإنما أراد سبحانه إجلاله وحبه، أراد: وأشربوا في قلوبهم حب العجل، فطرح للاختصار وعلم المخاطب الحب، وأثبت العجل، وقال في ذلك الشاعر:
  ألا أني سقيت أسود حالكا ... ألابجلي من ذا الشراب الأبجلي
  فقال: سقيت أسود حالكا، والأسود لا يشرب، وإنما أراد سقيت سم أسود