ومن سورة النور
  قيل له: إن المحاسبة فيه لهم، ليست تكون على إنفاق نفس تلك الأموال التي رزقهم، وإنما يحاسبهم على ما اكتسبوه وفعلوه وما كنزوه بها وبأسبابها لا عليها هي أنفسها، ألا ترى أنه إنما يحاسب من صرف رزق الله في الحرام دون الحلال، لا من صرف رزقه في الحلال دون الحرام، ولو كانت المحاسبة منه تقع على الأموال أنفسها، لكان الحساب يقع على المنفق لها في الطاعة، والمنفق لها في المعصية، فمن صرف رزق الله في ما له رزقه إياه، كان غير محاسب له عليه، ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه لنبيه سليمان #: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ٣٩}[ص: ٣٩] يقول: غير مسؤول ولا محاسب.
  وقد يخرج معنى قوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} على معنى آخر، رزقه فيمن يرزق من عباده، ليس من شيء عنده مجموع، معد لذلك مصنوع، يخرج منه أجزاء محسوبة من أجزاء، وينقى منه أجزاء فاضله عن أجزاء، فأخبر أن رزقه من سعة لا تحصى، وأنه إذا شاء أن يعطي عباده أعطى، ولو كان يرزق من شيء مجموع لكانت أرزاقه تنقص، إذا أصلها الذي يخرجها منه تنقص بخروجها عنه، فتبارك الله رب العالمين، وتقدس أكرم الأكرمين.