تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة النور

صفحة 349 - الجزء 1

  الطاعة، وقد علم سبحانه أنهم لو أرادوا الطاعة أطاعوا، كما علم أنهم سيؤثرون المعصية على الطاعة، فلم يكن سبحانه ليعاقبهم على ما لم يفعلوا من المعصية، ولم يكن ليعذبهم قبل أن يثبت عليهم الحجة، فبعث المرسلين يدعون إلى طاعة الله وترك معصيته، ممن هو قادر على أن يطيع، وعلى أن يترك المعصية، لو أرادوا، لما جعل فيهم على ذلك كله من الاستطاعة الثابتة فيهم، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}⁣[الأنفال: ٤٢].

  ثم قلت: أن قال المعارض هل كان فرعون يقدر أن يخرج مما قد علمه الله؟

  قيل له أيها المعارض (قد) أجبناك في أول المسألة بجواب هذا الكلام، إذ أعلمناك أن علم الله إنما وقع على ما يكون منهم من الإختيار، الذي لا يكون منهم أبدا غيره، من الإختيار لأحد الأمرين، فعلم سبحانه ما يؤثرون وما يختارون، وما عليه يثبتون، فأحاط علمه باختيارهم الذي هو معلوم له، وهو فعلهم لا فعله، وصنعهم لا صنعه، فمثل العلم كالدار والدار فيها بيوت، والبيوت فيها أبواب، فهو: ينتقل في بيوتها، ولم يخرج منها، كذلك العلم يحيط باختيار العبيد، وبصُيور أمرهم، وآخر اختيارهم، وهم ينتقلون من فعالهم في معلوم إلى معلوم، والعلم غير المعلوم، كما البيوت التي في الدار غير سور الدار المحيط بها، فالخلق في المعلوم متصرفون لا في العلم، تعالى الله عما يقول الملحدون! ويصف الجاهلون!

  ١٧١ - وإن سأل: عن قول الله: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ٣٨}⁣[النور: ٣٨] فقال: أليس قد يحاسبهم في الآخرة، ويسألهم عما أنفقوا من أموالهم فيه، فما معنى قوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ ٣٨}، وهو فقد يحاسبهم، ويسألهم عما يؤتيهم؟!