ومن سورة سبأ
  المصوِّت من الجبال والإصداح، إذا كان الرجل بين جبلين نادى بشيء أو تكلم به، أوبتِ الجبال بالرد عليه بمثله، ويقال: إن هذا الذي يكون في الجبال من التأويب، وهو الذي تسميه العرب أيضا الصدى، شي لم يكن قبل داود #، وأن الله جعله في ذلك الوقت في الجبال، وقدره لكرامة داود ثم أبقاه إلى اليوم فيها، ليكون ذلك ذكرا لما أكرم الله به داود، والله أعلم بذلك واحكم.
  ومعنى قوله {وَالطَّيْرَ} فهو: رَدُّ على الأمر، ومعنى أمره الطير فهو: إلهامه إياها مما أراد من مقاربة داود، و إحتواشها عليها وكينونتها قربه، كل طير يصوت بصوته، الذي جعله الله له، مع صوت داود صلى الله عليه، فكان داود يبكي و يدعو الله ويناجيه ويناديه، والجبال فتأوب وترد بمثل صوته وكلامه عليه، والطير تُصَوِّت من حواليه، حتى بلغ صلى الله عليه ارادته من رضى ربه، واخلاص التوبه الى خالقه، ورجوع كرامة الله إليه، وحلولها من الله تعالى لديه.
  {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ١٠} فمعنى إلانة الحديد له، فهي خاصة كان الله خصه بها، فكان الحديد يلين له كما لين الشمع بلا نار، ولم يكن الحديد يلين لأحد قبله إلا بالنار، فَلاَن له هو بلا نار، فهذا معنى {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ١٠}.