ومن سورة البقرة
  ٢٦ - وسألت: عن قوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: ١٨٤]؟
  والمعنى في ذلك فهو: وعلى الذين لا يطيقونه فدية، فطرح لا وهو يريدها، لأنه سبحانه إنما خاطب العرب بلسانها، والعرب تطرح لا وهي تريدها، وتثبتها وهي لا تريدها، في ذلك ما يقول الشاعر:
  بيوم جدود لا فضحتم أباكم ... وسالمتم والخيل تدمى شكيمها
  فقال: لا فضحتم، وإنما أراد: فضحتم، فأدخل لا وهو لا يريدها، وشاهد ذلك من كتاب الله، قوله ﷻ، عن أن يحويه قول أو يناله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} فأدخلها صلة في الكلام، وذلك عند العرب فمن البلاغة والتمام، وهي مثل ما يقول الشاعر:
  نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا القرى أن تشتمونا
  فقال: أن تشتمونا، وإنما أراد: لأن لا تشتمونا، فطرح لا وهو يريدها، والشاهد لذلك في كتاب الله سبحانه قوله: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ١}[القيامة: ١] فقال: لا أقسم، وإنما أراد: أقسم، وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا}[الأنعام: ١٢٣] وإنما أراد: لأن لا يمكروا فيها.