تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة (المعارج)

صفحة 300 - الجزء 2

  في يوم واحد وتسير وتقطع بقدرة الله ما لو كان غيرها من الناس، لم تسر ما سارته الملائكة في يوم واحد في خمسين ألف سنة، فأخبر سبحانه بعظيم قدرته في ذلك، وجليل فعله فيما جعل من سرعة سير الملآئكة وقطعها بعروجها لما تقطع من معارجها، وتقضيه في سيرها في مسالكها، دلالة منه بذلك لخلقه عليه، ودعاء منه لهم بما أظهر في ذلك إليه.

  ثم قال سبحانه لنبيئه صلَّى الله عليه آله: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ٥ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ٦ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ٧}، معنى {فَاصْبِرْ} أي: انتظر ولا تجزع واحتمل، {صَبْرًا جَمِيلًا ٥} يقول: احتمالا جميلا، ومعنى {جَمِيلًا ٥} أي: دائما وثيقا جيدا، لا يدخله أفك ولا هلع، ولا خور ولا جزع، {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ٦}، معنى {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ٦} أي: يرونه باطلا ولا يوقنون به إيقانا، فلما لم يوقنوا به ولم يؤمنوا جاز أن يقول: {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ٦}، لأن كل ما لم يوقن به الموقن فقد يراه بعيدا، وذلك أن العرب تقول لما لم يصح عندها، وكان غير آت ولا ممكن في عقولها: هذا أمر بعيد منا، من ذلك ما تقول العرب: زعم فلان أنه يقتل فلانا، وهذا أمر بعيد منه، تريد أن هذا شيء لا يقدر عليه، ولا يكون منه أبدا إليه، فعلى هذا المعنى يخرج قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ٦}، يقول سبحانه: يرون ما يعدهم من وقوع هذا العذاب بهم محالا لا يصح في عقولهم عندهم، ولا يقع أبدا بهم، {وَنَرَاهُ قَرِيبًا ٧} يقول ø: نعلم أنه حق آت والعرب تسمى كلما ما أيقنت بمجيئة: قريبا، تقول: ما أقرب الموت، وتقول: ما أقرب فرج الله، إيقانا بمجيئه، فقرنته بإيقانها بكينونته، تقول العرب: ما أقرب الليل، فقرنته حين علمت أنه آت لا محالة