تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة المدثر

صفحة 368 - الجزء 2

  ثم رجع سبحانه إلى ذكر خزنة النار À، فقال: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} يريد: ما يفهم عددهم وهم الملائكة، وهم جند الله إلا ربهم الذي خلقهم من خزنة النار، ومن غيرهم من الملائكة المقربين، À أجميعن.

  ثم قال سبحانه: {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ٣١} يريد: سقر، يقول: ما ذكرنا الذي ذكرنا منها إلا تذكرة للبشر، والبشر فهم: الخلق، ومعنى تذكرة فهو: تنبيها وتحذيرا وإهابة وتخويفا، ثم قال: {كَلَّا وَالْقَمَرِ ٣٢ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ٣٣ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ٣٤}، فأقسم سبحانه بالقمروالليل في إدباره.

  وأما أقسام الله سبحانه بإدبار الليل، فهو: لما فيه من عجيب تدبيره، من تجلي ظلامه، وتصوب نجومه، ولطائف عظمته، في ذلك من أثر صنعه، ما يطول شرحها، ويكثر لو ذكرناه ذكرها، ومعنى {أَدْبَرَ} فهو: تولى، وتولية فهو: ذهاب أكثره، ودنوا انفجار فجره، وكذلك أقسم الله بـ {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ٣٤}، و {الصُّبْحُ} فهو: الصباح، وقوله: {أَسْفَرَ ٣٤} فهو: أضاء وانتشر، وفي سطوع الصبح وفجره، غاية الدليل على صانعه وربه، لما فيه من ظهور ضوئه، في حندس الليل وظلمته، حتى ينكشف منه مدلهم الظلام، ويزيل عن الأرض منه ما كان عليها من الإدلهمام، فوقع القسم من الله ، عن أن يحويه قول أو يناله، على تحقيق ما أنكروا من سقر وخزانها، وعجيب ما ذكر الله سبحانه من أخبارها، فقال: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ ٣٥ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ ٣٦}، يقول سبحانه: إنها لإحدى عظائم ما فعلنا، وجليل ما أحدثنا، مما جعلناه عبرة وتبيانا ونعمة وترغيبا، ونكالا وترهيبا، والكُبَر فهي: