تفسيرسورة القيامة
  وكذلك أقسم باللوامة تنبيها على جليل ما قدر النفس عليه، وفطرها من الفطرة فيه، فجعلها بتقديره ساكنه في معامد الإنسان ومقاتله، يجري منها نَفَسُه، وتثبت بها حياته، ويكون بها طراوة جسمه، ولين مفاصله، واستقامه جوارحه، فنبه الله ø على هذا العجب من فعله العظيم، من صنعه في النفس بما أقسم به منها، وإنما يقسم الله تبارك وتعالى من الأشياء بكل أمر فيه تدبير، أو أثر صنع حسن أو تقدير، بكون ظاهر الشهادة بالحكمة لجاعله، قاطعا بالقدرة لفاعله، يقسم الله به تنبيها لعباده على التفكروالتذكر لما فيه من أثر صنعه، والشواهد له سبحانه بربوبيته.
  وقد قال بعض من يتعاطى التفسير: أن معنى قَسَمِ الله بهذه الأشياء هو قسم بجاعلها يزعمون أنه سبحانه أراد لا أقسم برب يوم القيامة، وكذلك لا أقسم برب النفس اللوامة، وهذا عندنا ليس بشيء، وليس يقول بهذا القول من الخلق إلا أعمى جاهل، لما يريد الله بقسمه لما يقسم به من الأشياء.
  ثم قال سبحانه: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ٣}، يقول أيظن الإنسان، أي: يتوهم أنا لن نجمع عظامه، معنى {نَجْمَعَ عِظَامَهُ ٣} أي: نردها بعد تمزقها وبلائها، ونحييها بعد ذهابها وفنائها، والإنسان ها هنا فهو: جميع الناس الذين شكوا في ذلك من فعل الله، وأنكروه من قول الله، ممن عَنَدَ عن دين الله، ولم يؤمن برسول الله من الجاهلية الجهلاء من قريش، ومن شاركهم من العرب وغيرهم.
  ثم قال سبحانه: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ٤} يقول: بلى نحن على خلاف ما قالوا، ونحن قادرون على تسوية بنانه، والبنان، فهو: الخلق والأسروالتاليف في الأعضاء والجعل، ونسوي فهو: نجعل ونحيي ونرد إلى القوة كل ما قد