تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسيرسورة القيامة

صفحة 383 - الجزء 2

  والناضرة هي: المسرورة البهجة، المطمئنة الفرحة، التي عليها لقلة الخوف النضرة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣} يريد: إلى ما يكون منه ناظرة، ولثوابه ووعده منتظرة، ومعنى {نَاظِرَةٌ ٢٣} أي: راجية، ولثوابه منتظرة، كذلك تقول العرب: ما أنظر إلا إلى الله وإليك، وليست تريد بذلك النظر بالعين إليه، وإنما تريد فضله وعطاءه، وكذلك يقول القائل من العرب لمن يطلب رفده وبره: عيني مفتوحة إليك، وأنا ناظر إليك، ليس تريد أن يفتح عينيه لينظر بها إلى جسمه، فإنما تريد: أن عيني مفتوحة إلى ما أرجو النظر إليه من عطائك، ومواهبك وفعالك.

  {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ٢٤} فهو: وجوه الكفار، ومعنى {بَاسِرَةٌ ٢٤} أي: باسرة لأنفسها عن رحمة الله، بما كان من عصيانها لله، فلما أن عصت الله تلك الوجوه والأبدان، بسرت أنفسها عما أعده الله من الثواب والإحسان، لمن أطاعه من جميع الإنسان، فسماها باسرة، إذ كانت قد بسرت أنفسها عن رحمة الله وثوابه في الآخرة بما قدمته من معصية في العاجلة، ومعنى: بسرت أي: مُنعت ودُفعُت وحُرمت.

  {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ٢٥}، ومعنى الظن هاهنا: اليقين، يقول: توقن أنه سيفعل بها فاقرة، ويفعل أي: يعمل بها ويصنع، والفاقرة هي: الداهية النازلة القاتلة المهلكة، وإنما سميت فاقرة؛ لأنها تفقر الظهر، وتفقير الظهر: قطعة، تقول العرب: فقر ظهره، أي: دقه وقطعه وحفره ونقبه، من ذلك ما تقول العرب: افقروا في الشيء فقرا، أي: احفروا فيه حفرا، ومن ذلك ما سمي عدم الدينار والدرهم: فقرا، لأن عدمهما يثقب القلب ويفقر الظهر، فلما أن كان يعمل ذلك بصاحبه، قيل: نزل به الفقر، أي نزل به ما يثقل به الحال في كل الأمر.

  {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ٢٦}، فالبالغة للتراقي هي: النفس عند خروحها من الجسم وبلوغها تراقي صاحبها، والتراقي فهما: ترقوتا الإنسان المعروفتان، وهما