تفسيرسورة القيامة
  العظمان اللذان تحت اللحيين إلى أسفل الرقبة وفوق الصدر، يريد بقوله: {كَلَّا} أي: لا ترجع النفس موضعها بعد بلوغ التراقي أبدا.
  {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ٢٧}، أراد بذلك: الدليل على جهل الخلق بأمر الله، وقلة علمهم بانقضاء أجل صاحبهم، فهم يطلبون له من يرقيه، ويتوهمون أن به داء غير الموت الذي يفنيه، فهم يقولون: من يرقي، والراقي هو: الذي يعود ويرقي.
  ثم قال: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ٢٨}، يريد بقوله: {وَظَنَّ} أي: أيقن صاحب النفس التي بلغت التراقي أن الذي هو به الموت، الذي يفرق بينه وبين حياته، وهو موقن بالموت لما قد رأى وعاين ووجد، وأهله وإخوانه لا يوقنون بما أيقن، فهم يطلبون له الرقاء والدواء، وقد عاين الداهية الداهياء، وأيقن بالفراق والفناء.
  {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ٢٩}، والتفاف الساق بالساق فهو: صفهما لخروج الروح منهما، فإحداهما على الأخرى ساقطة، إن وضعت فوقها لم تنقلع عنها أبدا إلا أن تقلع، ولم تماز منها إلا أن ينزع، إن تركت فوقها لم تزل ملتفة أبدا بها، وإن نزعت عنها لم ترجع إليها، إلا أن يردها غير صاحبها.
  {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ٣٠}، فهذا اليوم الذي قال الله: {يَوْمَئِذٍ} فليس هو باليوم الذي قال الله سبحانه: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ٢٤}، هذا اليوم هو يوم وفاة الخلق، وعند معاينتهم لنزول الحق، ومواقعه ما وعدهم الواحد الخلاق، من الموت اللاف للساق بالساق، فهذا اليوم الذي ذكر الله فيه أن فيه إليه المساق، وذلك اليوم فهو: يوم البعث والحق المساق، يقول: المضي به والتصيير له إليه سبحانه، ومعنى {إِلَى رَبِّكَ} أي: الموضع الذي جعله الله مقرا للأرواح إلى يوم مماتها، ويوم ممات الأرواح فهو: ممات الملائكة والجن، وهو يوم القيامة عند النفخة الأوله،