تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسيرسورة القيامة

صفحة 388 - الجزء 2

  يعلمهم أنه لم يفعل ذلك بهم لأن يخلقهم سدى، وإنما فعل ذلك بهم لأعظم ما يكون من المعنى، وهو ما أراد بهم من الإمتحان والإختبار والإبتلاء، بالعمل في دار الدنيا، والإيجاب عليهم في يوم الدين لما أوجب من الجزاء، فأعلمهم أن من كانت هذه إرادته من خلقه فقد بَعُدَ منه أن يجعلهم سدى، وبانت له بذلك الفعل القدرة فيهم وفي غيرهم على ما يشاء.

  ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ٤٠}، معنى {أَلَيْسَ ذَلِكَ} هو: أما ذلك؟ فيقول: أما الذي فعل ما فعل ودبر، من تقليت تدبيرخلقكم ما دبر، حتى صار من الماء بتدبيره وقدرته إنسانا قويا ثابتا {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ٤٠} معنى {بِقَادِرٍ} أي: مستطيع لذلك قوي عليه، نافذ أمره فيه، ومعنى {يُحْيِيَ الْمَوْتَى ٤٠} هو: يردهم بعد الممات أحياء، فأخبرسبحانه بذلك أن إحياءه لرميمهم أجساما كابتدائة لخلق أجسامهم أولا من الماء، فأخبرهم أن من ابتدأ شيئا من لا شيء، أي: جعل شيئا من غير شيء، فهو: على إزالته قادر، وأنه على رده إلى الهيئة الأولى التي قد فرغ من خلقها، وأحكم تدبيرها أقدر منه على ابتدائها، وأهون عليه في جعلها، كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}⁣[الروم: ٢٧] فضرب ø ذلك لهم مثلا كما مثلنا نحن له أيضا، وليس قوله: {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ولا هو على ردها أقدر، يقتضي أن له سبحانه حالا متفاوت حالا، ولا أن شيئا يمتنع عليه ، عن أن يحويه قول أو يناله، بل كل ما شاء أن يكون كان على ما يشاء ذو الجلال والإكرام والسلطان، ولا يعجزه شيء ولا يفوته شيء، ولا يؤده حفظهما شيء وهو السميع العليم.