تفسيرسورة القيامة
  من ذلك ما تقول العرب لمن ضيع إبله وخلاها، أو غنمه أو دابته: خلى فلان دابته في الأرض هملا، أي: خلاها بلا راع ولا حافظ ولا متعاهد ولا عارف لأمرها، فهذا معنى الهمل، والسدى فمعناه: هملا.
  {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ٣٧}، يقول: أليس قد كان نطفة في ظهر أبيه، والمني فهو: الماء الذي ينزل من الظهرعند الجماع، ومعنى {يُمْنَى ٣٧} فهو: تخرج وتلقى، وكل شيء أُمني، فقد أُخرج وأُظهر وأُلقي.
  {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً}، يخبر سبحانه أنه صار في الرحم من بعد أن كان نطفة علقة، والعلقة فهي: الشيء الجامد من الدم، فأخبر الله سبحانه أن النطفة أن النطفة البيضاء تنقلب بقدرته في الرحم علقة حمراء، ثم تنقلب العلقة الحمراء مضغة، ثم يخلقها الله سبحانه ما يشاء، ويسوي منها ما أحب.
  ثم قال سبحانه من بعد أن ذكر العلقة: {فَخَلَقَ فَسَوَّى ٣٨}، يريد ø: خلق العلقة مضغة، ثم خلق المضغة عظاما، ثم كسا العظام لحما، ثم قال من بعد خلق الله فيه ما شاء من خلق الذكر أو خلق الأنثى، فهذا معنى قوله: {فَخَلَقَ فَسَوَّى ٣٨}، يقول: خلق شيئا بعد شيء حتى سواه من هذا الماء، ما شاء من ذكرا أو أنثى.
  ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ٣٩}، يعني بقوله: {جَعَلَ} أي: خلق فصور، وفطر فقدر، ومعنى {مِنْهُ} أي: من ذلك المني الذي أمناه الزوجان، وهما الصنفان اللذان يتزاوجان، وهو الذكر والأنثى، فأراد سبحانه بذكر ما ذكر من فعله في الآدميين، وتنقيل خلق المخلوقين، أن