تفسير سورة الإنسان
  يبصربه، ليكون أعظم في النعمة، وأكثر في الإبتلاء، وأثبت للحجة.
  {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} معنى {هَدَيْنَاهُ} أي: إنا عَرَّفناه وبَصَّرناه وبينا له، والسبيل فهو: سبيل الله الذي هدى إليه عباده، وسبيل الله فهو: دين الله ومراده، من خلقه الذي أراده أن يعبدوه به.
  {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٣} يقول: فلا بد أن يكون شاكرا لذلك من جعلنا، أو كافرا لما أوليناه في ذلك من نعمنا، والشاكر فهو: العارف بفضل ما أولى، الذاكر له بلسانه وقلبه، والكفور فهو: المعرض عن حمد من أولاه الجميل، الذي ليس بشاكر لذلك، ولا ذاكر.
  ثم أخبرسبحانه بما عد لمن كفر نعمه، فقال: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا ٤}، والسلاسل فهي: سلاسل من حديد يقرنون فيها، منها السلسلة التي قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ٣٢}[الحاقة: ٣٢]، والاغلال فهي: الأغلال المفهومه في الحديد في الدنيا، التي يغل بها المغلولون، وهي عُمُدُ حديد تربط في الأيدي إلى الرقاب، طول كل عمود شبرا أو أقل، كذلك يغل الله أعداءه في النار، ليكون ذلك أنكى في العذاب، وأضيق للصدور، وأشد للبلاء. والسعيرفهو: لهب النار، واستعارها فهو: توقدها وتلهبها.
  ثم رجع سبحانه إلى ذكر إن الأبرارالشاكرين، فقال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ٥} والأبرار فهم: الذين برأوا أنفسهم بالصيانه لها عن النار، وإخراجها من العقاب، وإدخالها في النعيم والثواب، فصاروا بذلك من فعلهم أتقياء، وسموا به بررة أولياء، والكأس التي يشربون منها فهي: المشارب والآنية التي يشربون بها ما يُشرب من أنواع الأشربة والماء.