تفسير سورة الإنسان
  ثم قال ø: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا} فدنو الظلال عليهم فهو: غشيانها لهم، وإظلالها عليهم وقربها منهم، ولا أحسب - والله أعلم - أن الله عنى بهذا الظلال في هذا الموضع إلا ظلال الأشجار، الدانية الثمار المتهدلة، {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ١٤} والقطوف فهي: الثمار التي تقطف، ومعنى تقطع أي: تقطع للأكل وتجذ، والتذليل فهو: الإرخاء والإدناء حتى تدنو وتدلى وتقرب من آخذها، وتمكن لآكلها، فذلك معنى تذللها، ومعنى {تَذْلِيلًا ١٤} أي: أدنيت إدناء، وقربت تقريبا.
  {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ} والطوفان بها هو: الدوران بها عليهم والعرض لها، والآنية فهي: آنية المشارب والمطاعم، يطاف عليهم بما فيها من الأطعمة والأشربة، تعرض عليهم أكلها وشربها في كل ساعة وأوان، كرامة لهم من الله الواحد المنان، وهي الصحاف والأخونة والجفان، وغير ذلك مما يكون فيه الطعام، والأكواب فهي: الكيزان والأقداح، ذوات الحسن والهيئة والأرجل من فضه، والفضة فهي: هذه الفضة المعروفة البيضاء المخلصة.
  {كَانَتْ قَوَارِيرَا ١٥ قَوَارِيرَ} يريد - والله أعلم - التمثيل لها ذكره القوارير بصفاء القوارير التي يُرى جميع ما فيها، فذكر أن هذه الآنية {مِنْ فِضَّةٍ} صافية منيرة رقيقة مضيئة، يُرى ما فيها كما يُرى ما في القوارير من ورائها. {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ١٦} يريد سبحانه: أنهم يقدرون أوقات الطوفان بها على الآكلين والشاربين تقديرا حسنا، فيأتونهم بها على أوقات حاجتهم إليها، ويكون ذلك من هؤلاء المقدرين من الخدم والطوافين بها عليهم تقديرا حسنا، ومعرفة بقدر الأوقات التي يحتاج أهل الجنة إلى تقريب هذه الآنية، التي فيها المآكل والمشارب، فهذا أحسن ما علمناه من التأويل في {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ١٦}.