تفسير سورة المرسلات
  بجليل ما فيه من عظيم الأمور، وشدائد النوازل بأهل الوعيد، وكريم المآب، وعظيم الثواب لأهل الوعد، وهذه الكلمة كلمة تقولها العرب، إذا أخبرت عن يوم تنتظره، جليل الأمر، هائل الخطر، قالت: يوم كذا وكذا، تقول: أي يوم كان حرب كذا وكذا؟ وكذلك: أيُّ يومٍ يومُ الموت، تريد بقولها: أي يوم؟ ما أشد ذلك اليوم وأهوله، وأفدحه لأهله وأعظمه، ومعنى {أُجِّلَتْ ١٢} فهو: وعدت وجعل لحشرها ولقائها لربها أجل تنتظرة، ومدة تقطعها بالانتظار لبلوغ غايتها، فعند بلوغ غايتها يكون ذلك اليوم الذي فيه بعثها وحضورها وتَنَجُّزِ موعد ربها، بنصرها من كربها، وخائف أمرها، وثواب من أطاعها وصدقها، فيما جاءت عن ربها.
  ألا تسمع كيف يقول فيما بَيَّنَ من ذلك اليوم الذي أجلت الرسل إليه، حين يقول: {لِيَوْمِ الْفَصْلِ ١٣}، ثم قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ١٤}، والفصل فهو: القطع بين العباد فيما كانوا فيه يختلفون، وإيصال الوعد والوعيد إلى أهلهمان وانقطاع ما كان الخلق ينتظرون من أمرهما.
  وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ} يريد: ما أعلمك بأمر ذلك اليوم وهوله، وعظيم ما يكون فيه من أموره، لا علم لك منه إلا بما أعلمناك، ولا تدري شيئا إلا بما أدريناك.
  ثم قال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ١٥}، يريد: الويل والعويل والبلاء واللعنة والشقاء يومئذ على المكذبين، ويومئذ فهو: يوم الفصل، ويوم الفضل فهو: اليوم الذي أجلت إليه الرسل.
  ثم قال سبحانه توقيفا للمكذبين على جحدانهم، ومكابرتهم لما قد ثبت من الحق في قلوبهم: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ١٦ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ١٧}، يقول: ألم تعلموا إهلاك من هلك من الأولين، ويأتيكم نبأه عن الصادقين، فإذا قد صح عندكم