تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة النبأ

صفحة 428 - الجزء 2

  ثم قال: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ١١}، يريد سبحانه: متعيشا للباس، ومكتسبا يكتسبون فيه المعائش، ويطلبون في المرائش، فلما كانت المعائش من الصناعات وغيرها، مما يكتسب به المعائش لا تكون إلا في النهار، قال الله سبحانه: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ١١}، إذ جعله للمعائش سببا، ووقتا ومطلبا.

  ثم قال سبحانه: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ١٢}، يعني بالسبع الشداد: السماوات المبنيات، وهن الطرائق المركبات المجعولات، فذكر سبحانه ما جعل من السماوات، التي جعلهن دليلا عليه وآيات، ولما فيهن وفي من يسكنهن من الدلالات المنيرات على الجاعل لهن، المقدر لتركيبهن، الممسك بلا عمد لهن.

  ثم قال: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ١٣}، والسراج الوهاج فهو: ما جعل الله من الشمس والقمر النيرين، السراجين الوهاجين، وما جعل من النجوم الوهاجة المتوقدة، فأضاء ما بين المهاد، وبين السبع الشداد، من الهواء المدلهم، المتكاثف المظلم، بمنور السراج الوهاج، الذي جعله في الليل والنهار سراجا، والسراج فهو: المضيء المنور، الذي يسرج بضوئه وينير؛ لأن معنى السراج فهو: المضيء المنير، تقول العرب: أسرج السراج، تريد: نَوِّرْه وأضئه، واجعل فيه نورا ساطعا، حتى يكون بتنويره سراجا وهاجا، والوهاج فهو: المتوقد الملتهب.

  ثم قال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ١٤}، والمعصرات فهن: السحاب المثقلات، العاصرات لما فيهن من الماء، وعصرهن للماء: حبسهن وحملهن له، وإمساكهن إياه، فَسُمِّينَ لحبسهن لما فيهن من الماء وإمساكهن له: معصرات،