تفسير سورة النبأ
  ومن ذلك ما سُمِّيَتْ العصرعصرا، لما يعصربها، ويحبس عن الظهرالذي قبلها، فسميت عصرا للإمساك عنها، والتعصير بها، والعصرفهو: الحبس، ومن ذلك ما تقول العرب في كلامها وأمثالها، لحابس الشيء إذا حبسه عنها: كم تحبسه وتعصره، وتقول: أكثرت عصر هذا الشئ، أي: تزيد حبسه وأمساكه.
  وقد قيل: إن معنى {الْمُعْصِرَاتِ} هو: العاصرات لما فيهن من الماء حتى يخرج من خللهن، وشبه ذلك بعصر الإنسان للشيء وغمزه، حتى يخرج ما فيه من مائه، والقول الأول أحسن القولين عندي، وأصوبهما، وأولاهما بالحق وأشبههما.
  وقوله: {وَأَنْزَلْنَا} أهبطنا، {مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ١٤} ومعنى: {ثَجَّاجًا ١٤} أي: كثيرا جرارا، قوي السيلان، كثير الهطلان، يثج في الأرض ثجا، ومعنى يثج ثجا أي: يدفع دفعا كثيرا اتيانه معا، وتدافع سيوله جمعا، يعضد بعضه بعضا، ويقوي كلُ آخرٍ منه أولا، فهو: لتلاحقه وكثرته يثج ثجا، ويتدافع تدافعا ويتحامل على مالقيه من الأرض تحاملا، يقلع بتحامله وثجه كل ما نبت من الأشجار في مجره، أو اعترض له في وجهه.
  ثم قال سبحانه: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ١٥}، فأخبر سبحانه أنه أنزل هذا الماء ليخرج به ما ذكر.
  ومعنى {لِنُخْرِجَ بِهِ} هو: ننبت به ونجعل منه وببركته، والحب فهو: كل حب يؤكل أو ينتفع به، مما يتولد في أشجار الأرض بالماء، كائنا ما كان من الأشياء.
  {وَنَبَاتًا ١٥} فهو: ما كان غير الحب من أوراق الأشجار المختلقات، من أفنان الحشيش النابتات، وغير ذلك من زهرات الأرض المورقات.
  {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ١٦}، الجنات: الحدائق الملتفات المشتبكة فيها الأشجار