تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 129 - الجزء 1

  على عقده له الإمامة على العالمين، وإيجاب الطاعة له في رقاب المخلوقين.

  ويكون ذلك حجة له على الخلق وعلامات، ودليلا على ما اعطاء الله من الكرامات، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}⁣[الأنقال: ٤٢].

  فرأينا عندما خصنا الله به وأعطانا، وفضلنا به على أهل دهرنا وأولانا، أن ننشر فضائل الحكمة التي أوليناها، وأن نبين علامة الإمامة التي أعطيناها، لنخلع الحجة من رقابنا، ونثبتها لله على غيرنا، بما يظهر مما أمرنا الله بإظاهاره من شرح غامض الكتاب، و تبيين تفسيره من كل الأسباب، حتى نبين بذلك الحق المبين، ونثبت فيه الصدق اليقين، وننفي عنه تأويل الفاسقين، ونميط عنه تفسير الجاهلين، الذين حملوا تأويله على غير تنزيله، وحكموا على محكمه بمتشابهه، وردوا معاني الآيات المحكمات المبيَّنات، من الآيات اللواتي من الأمهات على معاني غيرهن من المتشابهات، واستشهدوا المتشابه على المحكم، فأهلكوا بذلك جميع الأمم، شبهوا في تأويلهم وتفسيرهم ربهم بخلقه، فأبطلوا ما نفاه مَن بُعد الشَّبه لهم عن نفسه، فمثلوه تمثيلا، ونقلوه في الصور تنقيلا، وجعلوه بذلك صورة مصورة، محدودة عندهم غير مقدرة، فعبدوا ما وصفوا، ودانوا لهذه الصورة التي ذكروا، فكانوا بالله غير عارفين، ولا مقرين ولا مثبتين، بل كانوا عنه عاندين، وبه في كل الأمور جاهلين، فلما أن جهلوه لم يعبدوه؛ لأنهم عبدوا مجعولا مقدرا، ومعبودا عندهم مصورا.

  والله فليس هو كذلك، إذ المعبود الذي هو عندهم كذلك، فكانت عبادتهم لغير الرحمن، وطاعتهم لغير ذي الجلال والسلطان، بل كانوا الله منكرين، و به غير مقرين.