جواهر من كنوز الوصي،

عبد الله بن علي القذان (معاصر)

[نصائح للدعاة إلى الله]

صفحة 11 - الجزء 1

  ويستوحشون إذا فارقهم، وهذا الإقبال اختبار من الله لصاحب الوجاهة، وعلى هذه الطريقة جرت حكمة الله، غير أن من عرف الله حق المعرفة قد نصب الموت بين عينيه والجنة والنار أمامه، وهيمن على جميع مشاعره دقة الحساب يوم القيامة، فهو بمنأى عن الفتنة لا يبالي بذم الذامين ولا بمدح المادحين إن أعطي من هذه الدنيا شكر، وإن ابتلي بشيء من مصائبها صبر، يرى ما هو فيه من البلاء والعافية والفقر والعناء والوجاهة وعدمها أن الذي اختار ذلك له أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، فيحمد خالقه في السراء والضراء والشدة والرخاء، وبينه وبين السم الناقع والسيف القاطع أعني بذلك الحسد بعد المشرقين، فلا يرى نعمة الله على أحد من عباده إلا ابتلاء واختباراً، يبرز له الموت عند كل مشتهى لأهل الدنيا، وتبرز له الجنة عند كل مستعصى، القبر لا يفارق خياله، فيلهيه ذلك عن أهله وماله، يتشوق قلبه ويتلهف لبه لفوز الفائزين يوم القيامة، ويقصم ظهره خيبة الخاسرين يوم الندامة، وكل ذلك لأنه عرف الله حق المعرفة فلا يوجد في عمله ونواياه رياء ولا سمعة، ولا حسد ولا عجب، ولا يزكي نفسه ولا يخيب عند أمله، ربه يرى يوماً من الأيام الصديق عدواً والعدو صديقاً، فلا يزحزحه ذلك عن مقام المتقين ومناصب الفائزين وكل ذلك لأنه عرف الله حق