سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 25 - الجزء 2

  أَلَمْ يَحِنِ الوقتُ لِأَنْ تَتُوبُوا؟ أَلَمْ يَكْفِ مَا ضَاعَ مِن العُمُرِ في اللهوِ والفساد؟

  عبدَ الله:

  قدِّمْ لنفسِكَ توبةً مرجوةً ... قبلَ المماتِ وقبلَ حبسِ الأنفسِ

  بادرْ بها تُرِحِ النفوسَ فإنها ... ذخرٌ وغنمٌ للمنيبِ المحسن

  يَكفِي مَا مَضَى مِن ضَياعٍ، يَكفي مَا فَاتَ مِن الأوْقاتِ وَالأَعْمَارِ التي ذَهَبتْ في غَيرِ فائدةٍ، لَقد آنَ الأوَانُ لِأنْ نَنْتَبِهَ مِن غَفْلَتِنَا، وَأَنْ نَنْتَبِه لِمَا بَقِيَ مِن أعمارِنا، وَلْنَحمَدِ اللَهَ أَنَّنا مَا زِلنا عَلى سَلامةٍ مِن أَبْدَانِنَا وَمَا زَالَ فِي أَعْمَارِنَا بقيةٌ، ونَحْمَدُ اللهَ الّذي أَبْقَانَا لِلتَّوَبةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِالْهَلَكَةِ والعقوبةِ، ونَحنُ عَلى العصيانِ مُنْهَمِكون.

  فَاللهَ اللهَ في صِدقِ التَّوبةِ والإِنَابَةِ، والرّجُوعِ إلى اللهِ، وَلْنَجْعلْ يَومَنا هذا آخرَ عَهْدٍ لَنَا بِالمعَاصِي، وَلْنُعاهِدِ اللهَ على التوبةِ والإنابةِ.

  وَهَذَا شَهْرُ التَّوْبَةِ والغفرانِ أَوْشَكَ أَنْ يَحُطَّ رِحَالَهُ، وَقَدْ قَارَبَتْ أَيَّامُ حُلُولِهِ المُبَاركةِ.

  فلنُعِدَّ لَهُ العُدَّةَ وَلْنَتَأهَّبْ لِلقَائِه، وَحُسْنِ اسْتِقْبَالِه بِقلوبٍ طَاهرةٍ نَقيةٍ، وَبِنُفوسٍ مُؤمنةٍ تَقِيّةٍ، وَلا يَكُنْ هَمُّنَا فِي هَذا الشَّهْرِ إِعْدَادَ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ، وَتَوفِيْرَ الأطعمةِ، والملذَّاتِ، فَليسَ هَذا مَا أَرَادَهُ اللهُ مِنَّا فِي هذا الشهرِ، ولَمْ يَشْرَعِ اللهُ هذا الشهَر لِلأَكلِ والنّومِ، بَلْ شَرَعَهُ لِلصَّيامِ، وَالْقِيَامِ لِلصَّلاةِ، وَالْعِبَادَةِ، وَتِلَاوةِ القرآنِ، لِعمارةِ المساجدِ، وغَسْلِ القلوبِ مِن الذنوبِ، وتَطْهِيرِ النُّفُوسِ مِن الأرجاسِ والأدْناسِ.

  فَاللهَ اللهَ لا يُضَيِّعَنَّ أحدُكُم شَهرَ الطَّاعةِ كَمَا أَضَاعَ بَقِيةَ الشُّهورِ، وَلَا يَهْجُرُ كِتَابَ اللهِ كَمَا هَجَرهُ مِن قبلُ.

  فَلِلَّهِ العِلْمُ مَنْ يَأتِي عَليهِ شهرٌ غيرُه.

  فَنسألُ اللهَ العونَ، والتوفيقَ عَلى صِيامِهِ، وَقِيَامِه إِنَّه نِعْمَ الموْلَى، وَنِعْمَ النَّصِيرُ، وهو حَسبُنا، وَنِعْمَ الوكيلُ.