الخطبة الأولى
  أين مَن يعِدُ ويُخلفُ وعدَه، ويعاهد وينكثُ عهده، من قولِ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وقولِه تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}؟
  يستدين ثم يعدُ بالوفاءِ في يومِ كذا فيأتي الوعدُ، ولا يردُّ الدينَ، ولم يعتذرْ.
  يوعد صاحبَه في الليلِ على الذهابِ إلى أيِّ مكانٍ ثم يأتي في الصباح فيتهربُ مِن وعدهِ ويخونُ.
  هل هذه أخلاقُ القرآنِ وأحكامُه التي ربى عليها المؤمنين في الوفاءِ، وصدقِ الحديثِ حتى مع المرءِ نفسِه، وما بينه وبين ربِّه؟!
  فهناكَ مَن يعاهدُ اللهَ، ويقطعُ وعداً إن شفى اللهُ مرضَه أن يصليَ ويتقي اللهَ، وهناك مَن وعدَ إن أصلحَ اللهُ زرعَه وثمرَه أن يبنيَ مسجداً أو نحوَه، ومنهم من يعاهدُ اللهَ أن يوفي بما عليه من الدين إذا أيسرَ اللهُ عليه، ومنهم من يعاهدُ اللهَ إذا آتاه رزقاً أن يتصدقَ منه، ومنهم من دعا اللهَ إن وهبَه سيارة أن يسخرَها في حاجةِ الضعفاءِ والمحتاجين، وتراهم حين يمنُّ اللهُ عليهم ينكثون ويخلفون ويخونون، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ٢٧ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
  أولم يقرؤوا حكمَ اللهِ، وما ذكره في القرآن من هذه المسائل؟
  {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ٧٥ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ ٧٦ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ٧٧ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ٧٨}.
  باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ إنه تعالى جوادٌ ملكٌ برٌ رؤوفٌ رحيمٌ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.