فصل: في الدلالة على فساد قول من يذهب إلى أن الإمامة لا تثبت إلا بالنص الجلي أو ما يقوم مقامه
  ولا يجوز أن يكون طريقه الإكتساب: لأن طريق الإكتساب الأخبار التي تقتضي وقوع العلم بمخبرها من طريقة الإكتساب كلها منتفية في النص الذي يدعونه، ألا ترى أن الذي يمكنهم ادعاؤه من هذه الطرق هو ما نقوله من أن الإمامية قد حصلت في نقلها شرائط التواتر الذي يوجب العلم بالمخبر اكتساباً من كثرة عدد الناقلين، واختلاف دواعيهم، وامتناع التواطؤ عليهم، وهذا فاسد، لأن هذه الشرائط وإن حصلت في الطرف الأخير من نقلهم فلم تحصل في الطرف الأول ولا فيما يليه.
  ألا ترى أنه لا يمكن أن يبين أن أحداً من الناس اعتقد في الصدر الأول هذا النص على الوجه الذي يذهبون إليه، فكيف يدعي كثرة ناقليه في ذلك الوقت، وإذا كان هذا هكذا صح ما قلناه من انتفاء طريقي الضرورة والإكتساب فيما يدعونه من النص، وهو الظاهر الذي لا شبهة فيه على من نظر في الأخبار وعرفها من أن النص الذي يدعونه ما ادعاه أحد في زمن أمير المؤمنين والحسن والحسين À، وإنما كانت الشيعة تستدل على إمامة أمير المؤمنين # بالأخبار التي ذكرناها وبينا وجه الإستدلال بها، كخبر الغدير، وكقوله صلى الله عليه وآله «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وما يجري مجرى ذلك، ثم أحدث هذا القول وقوي ظهوره في أيام بعض خلفاء بني العباس لغرض له في إظهار ذلك.
  وقد قال أهل العلم: إن التضرع بهذا القول على الوجه الذي يصرح به الآن لم يكن يتجاسر عليه قبل ابن الراوندي.
  فإن قال قائل: ما أنكرتم أن العلم به ضروري وإن خفي عليكم لكتمان بعض الناس لهذا النقل؟.