فصل: في الدلالة على فساد قول من يذهب إلى أن الإمامة لا تثبت إلا بالنص الجلي أو ما يقوم مقامه
  قيل له: الحوادث العظيمة إذا وقعت للعروض الشائعة العامة، إذا تقررت بمشهد الجمع العظيم والجم الغفير الذي حصل منهم شرائط التواتر ونقلوها عن مشاهدة وعيان لا يجوز أن يختص بمعرفتها قوم دون قوم، إذا كانوا مشتركين في سماع تلك الأخبار، وفي علمنا بأنا نسمع بعضهم بعضاً، وبحثنا عنها كبحثهم، فلم يقع لنا العلم كما يدعونه، دليل على فساد قولهم أنهم قد اختصوا بالعلم دوننا للعلة التي ذكروها وهي الكتمان.
  يبين صحة ما قلناه أيضاً: لو أنه جاز أن يختص بمعرفة ما ادعوه من النص وما يجري مجراه من الأمور الظاهرة الشائعة قوم دون قوم لعلة تعلقوا بها، لجاز ما يدعيه بعض الملحدة من أن القرآن قد عورض ولكن لم يقع لنا العلم به لهذه العلة، ولوجب أن يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله قد شرع أركاناً كثيرة سوى هذه الأركان التي نعرفها، وأن يكون قد نسخ كثير منها وخفي ذلك علينا لأجل الكتمان أن يجوز، وأن يكون قد وقعت في أيام الرسول صلى الله عليه وفي أيام الصحابة حروب هي أعظم من الحروب التي نقلت إلينا كبدر وأحد وكحرب الجمل وصفين، ولجاز ما يدعيه اليهود من أن موسى # قد نص على أن شريعته تنسخ، ونقل ذلك عنه على وجه أوجب لهم العلم الضروري دوننا، وهذا يؤدي إلى الخروج عن الإسلام والعرف والعادة.
  فإن قال: أليس كثير من الشرائع التي قدرها رسول الله صلى الله عليه وآله كانت في حكم المشاهد في أيامه، واختلف الناس في نقلها كاختلافهم في الأذان والجهر ورفع الأيدي في الصلاة وأعمال الحج، فلم لا تجوزوا أن يقع الخلاف في النص وإن كان صلى الله عليه قد قرره وبينه؟.
  قيل له: هذا الذي أوردته بمعزل مما قلنا، لأنا لم نقل أن كل شيء وقع في زمن النبي صلى الله عليه وملائكته لا بد أن ينقل على وجه لا يقع الخلاف فيه ويشترك الناس في معرفته.
  وإنما قلنا إن الأمور الشائعة الظاهرة لا سيما إذا كانت مما يعم فرضها على وجه لا يسوغ الإجتهاد فيها، ونقلت على وجه يوجب العلم الضروري لا يجوز أن يختص بمعرفتها قوم دون قوم مع اشترك الجماعة في سماع تلك الأخبار، والنص الذي يدعونه لو صح لكان من قبيل هذه الأمور ولا يجوز أن يقع الإختصاص في العلم إذا كانت الحال على ما ذكرناه.