فصل: في بيان ما تثبت به إمامة الإمام متى لم يكن منصوصا عليه من جهة النبي صلى الله عليه وآله
فصل: في بيان ما تثبت به إمامة الإمام متى لم يكن منصوصاً عليه من جهة النبي صلى الله عليه وآله
  اعلم أنه لا خلاف بين الزيدية في أن الإمامة تثبت بالدعوة متى حصلت الأوصاف التي يصلح معها كونه إماماً وإن لم يكن منصوصاً عليه من جهة الرسول صلى الله عليه، وإنما اختلفوا في نص الإمام على إمام بعده هل يكفي في ثبوت إمامته أو يحتاج معه إلى مقارنة الدعوة إياه.
  فأما ما يدل على أنها تثبت بالدعوة: أنا قد علمنا أن الإمام لا يصير إماماً بمجرد اجتماع الأوصاف فيه، ولا بد في ثبوت إمامته من سبب يوجب ذلك، فلا يخلو ذلك السبب: من أن يكون الإختيار على ما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة، أو النص على ما تذهب إليه الإمامية، أو الدعوة على ما نقوله، إذا قد بينا فساد القول بأنها لا تستحق على وجه الإرث، ولا جزاء على الأعمال، وقد دلت الدلالة على فساد القول بالنص والإختيار، لما قدمناه، فلم يبق إلا أن يكون مثبت وجوبها هو الدعوة على ما نذهب إليه.
  فإن قال قائل: ما أنكرتم أن تكون الطريقة التي أبطلتم الإختيار بها وهو أن الشرع لم يدل عليه يبطل بمثلها القول بالدعوة، لأنا نقول إن الشرع لم يرد بها؟.
  قيل له: ما تريد بالدعوة؟. ولا يمكن أن يقال إن الشرع لم يرد به، إذ لا خلاف في أنه معتبر في ثبوت الإمامة إلا على قول أصحاب النص ومن يجري مجراهم، لأن الذي نريده بالدعوة هو أن ينتصب، مع جميع الأوصاف للقيام بالأمر، ويتجرد لمباشرته، ولا يتقاعد عنه، ويباين الظالمين، ولا يختار الكون تحت رايتهم، وهذه الأمور لا بد من اعتبارها في ثبوت الإمامة على قول من يقول بالإختيار ومن لا يقول به سوى الإمامية، ألا ترى أنه لا خلاف بين أصحاب الإختيار أن من علم منه خلاف هذه الأمور لا يجوز أن يعقد له، وأنه لو عقد له وظهر من حاله خلاف ما ذكرنا وبينا من الأحوال لم تثبت إمامته، وأنه متى علم منه هذه الأحوال ولم يكن هناك من هو أولى منه وجب العقد له والرضى به، وإذا كان هذا هكذا ثبت أنما نريده بالدعوة معتبر في شرائط الإمامة التي لا تثبت إلا بها، على اتفاق منا ومن القائلين بالإختيار، فكيف يمكن أن يدعى أن الشرع لم يرد به، وهذا يبين فساد ما أورده السائل.