فصل: في بيان ما تثبت به إمامة الإمام متى لم يكن منصوصا عليه من جهة النبي صلى الله عليه وآله
  فإن قال: إنا لا ننكر أن هذه الأمور التي ذكرتم معتبرة في باب الإمامة، ولكن موضع الخلاف بيننا وبينكم أن نقول إن من جمع الصفات التي تصلح فيها الإمامة، ليس له أن يدعو الناس إلى طاعته، ومتى دعاهم لم يلزم الناس إجابته إلا بعد تقدم الإختيار وظهور رضاء المسلمين؟.
  قيل له: هذا الموضع الذي دللنا على فساده، لأنا قد بينا أن ما نريده بالدعوة وما يتصل بذلك لا بد من اعتباره في ثبوت الإمامة، وإن لم يظهر منه ذلك لم تثبت إمامته عقد أو لم يعقد، وأنتم إذا ادعيتم شرطاً زائداً لا بد من تقدمه، وأسقطناه من حيث لم يرد الشرع به، وعلمنا فساد اعتباره.
  ومما يبين أن الشرط الذي ادعوه لا اعتبار به: أن مشائخ القائلين بالإختيار نصوا على أن الإمامة قد تثبت من دونه، وذلك أنهم قالوا إن بعض أئمة الجور مات وكانت الظلمة مستولية على المسلمين، فأقاموا رجلاً مقامه وهو ممن يصلح للإمامة، وغلب في ظنه أنه لم يتصرف في الأمور خلع نفسه إلى أن يختاره المسلمون ويرضوا به ويبايعوه، قتله الظالمون وأقاموا رجلاً مقامه منهم لا يصلح للأمر وكان يقوم بالإمامة ويتصرف في أمر الأمة تصرف الأئمة ولزم المسلمين الرضى به إماماً لهم، قال الشيخ الذي حكينا عنه هذا القول: وهكذا عمر بن عبد العزيز، وإذا كان هذا هكذا وجب أن يحكم بفساد الشرط الذي اعتبره مخالفونا من حيث لم يرد الشرع به في الأصل، ومن حيث ثبتت الإمامة باتفاق منا ومنهم من دونه.
  قال فإن قال: هذا الذي ذهبتم إليه يؤول في المعنى إلى القول بأن الإمامة تثبت باجتماع الأوصاف من دون أمر آخر، لأنكم جوزتم التصرف في ما يتصرف الأئمة فيه عقب اجتماعها فيه، إذ دعوة الناس إلى طاعته في الأمور التي تقوم بها هو نفس ما يتصرف فيه الأئمة؟.
  قيل له: ليس الأمر على ما قدرت، لأن من يذهب إلى أن الإمامة تثبت باجتماع الأوصاف لا يشرط في كونه إماماً أن ينتصب للأمر ويباين الظالمين، ولا يختار الكون تحت رايتهم، ويتجرد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يقول إنه يكون إماماً وإن أغلق بابه وأرخى الستر دونه، ورضي بأن تجرى عليه أحكام الظلمة، ولا يأمر قط بمعروف ولا ينهى عن منكر، على الحد الذي تذهب إليه الإمامية في أئمتهم.