فصل: في أن الإمام في كل زمان يجب أن يكون واحدا
  العقد لأحدهم كف الباقون عن ذكر غيره، فقد صح الإجماع على ما بينا أنها لا تصلح إلا لواحد، ألا ترى أن طلحة والزبير لما طمعا في الأمر إداهم إلى نكث بيعة أمير المؤمنين # والطعن على إمامته، من حيث علما أن الشركة لا تصلح فيها وأنهما لا يجدان السبيل إلى طلب الإمامة لأنفسهما مع ثبوت إمامة غيرهما، فأقدما على النكث، وحالهما في هذا الباب أظهر من أن يحتاج إلى إطالة القول فيه.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون قول الأنصار (منا أمير ومنكم أمير) يدل على أنهم كانوا يعتقدون كون إمامين في وقت واحد، والمهاجرون أيضاً لم ينكروا عليهم نفس هذا القول، وإنما ردوا عليهم من وجه آخر، فيجب أن يكون تجويز ذلك إجماعاً منهم؟.
  قيل له: هذا الذي أوردته لا يدل على موضع الخلاف، لأن لفظة الإمارة لا تنبي عن الإمامة، ونحن لا نمنع من جواز كون أميرين في وقت واحد فلا يمتنع أن يكون غرض الأنصار بهذا القول أن يبنى أمر الأمة على الإمارة دون الإمامة فيكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ.
  فإن قال: شاهد الحال يمنع من هذا الذي ذكرته، لأنهم إنما كانوا يتنازعون الإمامة دون الإمارة؟.
  قيل له: بل شاهد الحال يؤيد ما ذكرناه، وذلك أنهم لما نازعوا المهاجرين في الإمامة ثم علموا أنه يضعف عليهم دفع المهاجرين عنها، وأحبوا أن يكون لهم حظ في الأمر، وعلموا امتناع كون إمامين في وقت واحد عدلوا عن طلب الإمامة والتمسوا أن يبنى على الإمارة فيعقد لأميرين أحدهما منهم والآخر من المهاجرين ليكون لهم حظ في الأمر، وهذا الذي ذكرناه هو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ ويليق بالحال، ويوافق المعلوم من إطباقهم على امتناع كون الإمامين في وقت واحد.