فصل: في معرفة الإمام هل هي واجبة أم لا؟.
فصل: في معرفة الإمام هل هي واجبة أم لا؟.
  اعلم أن الظاهر من مذهب الزيدية أن الإمام إذا أظهر الدعوة، وانتصب للقيام بالأمر، لزم جماعة المسلمين الذين بلغهم خبره أن يعرفوه، ليمكنهم إجابته، ونصرته ومعاونته، والمبادرة إلى طاعته.
  والوجه في هذا الباب أن الأمور التي يختص بها الإمام من التعلق بالخاصة والعامة ما لا يستغنون لأجلها عن معرفته، ولا يستغني الإمام أيضاً عن ذلك، وأحوال الدنيا هي الأحوال المعهودة من غلبة الظلمة، واستيلاء أهل البغي الذين لا يكاد الإمام يتمكن من دفعهم وتطهير بلاد الله منهم إلا بمعاونة جماعة من المسلمين، وإن كانت الخاصة يلزمها من معرفة تفاصيل أحواله ما لا يلزم العامة، ويسوغ للعامة في كثير من الأحوال من الإقتصاد على الجملة في معرفة ما لا يسوغ للخاصة.
  فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون القول بحاجة العامة إلى معرفة الإمام يوجب أن يلزمهم معرفة الشرائط التي لا تثبت الإمامة إلا معها على التفضيل، وقد عرفنا أن العوام لا يمكنهم معرفتها؟.
  قيل له: العوام يمكنهم أن يعرفوا من هذه الشرائط على سبيل الجملة العدد الذي يمكنهم أن يعرفوا من صفات المفتي، والشرائط التي معها يصلح أن يسوغ في الفتاوى على الجملة وإن لم يعرفوا تفاصيل هذا الباب.
  وعلى هذا حمل الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين # الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» فقال:
  (المراد أن الزمان متى كان فيه إمام حق فمن لم يعرفه لينصره ويطيعه مات ميتة جاهلية)، وهذا هو الصحيح دون ما ظنه بعض الناس من أنه لا بد في كل زمان من إمام تلزم معرفته، لأن هذا في نهاية البعد، ألا ترى أن الرسول صلى الله عليه وآله لو قال: من مات ولم يخرج زكاة ماله مات ميتة جاهلية، لم يدل هذا على أن كل أحد مات في كل زمان يجب أن يكون له مال تلرمه زكاته، وإنما يدل على أن من ملك مالاً يجب أن يكون فيه زكاة فلم يخرجها مات ميتة جاهلية.
  فإن قال قائل: أتجوزون أن تخلو الأرض من الأئمة أزمنة كثيرة؟.
  قيل له: إن أردت بهذا القول أن الأرض تخلو ممن يصلح للإمامة وسياسة أمر الأمة من أفاضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله فهذا يمنع منه الزيدية ولا يجوزونه.