الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

دليل آخر: [آية التطهير ودلالتها على حجية إجماعهم]

صفحة 166 - الجزء 1

  واحد على الإنفراد حجة، وهو بمنزلة ما يسأل عن آية المشاقة من بعد ما تبين له الهدى، من بعد تَبَيُّنِ الدلالة يقول: يجب أن يتبع سبيل المؤمنين.

  قلنا: لا فائدة فيه، كذلك هاهنا، ويوضح ذلك قوله # «ألا وإنهما لن يفترقا»، بيّن أنهما لا يفترقان، فلا يجوز أن يصدر عن العترة حكم إلا أن يكون في الكتاب جملة أو تفصيلاً، وإلا أدى إلى افتراقهما، وقيل إنه بمنزلة أن يقول من تمسك بفلان وفلان لم يضل، فإنه يقتضي أنه من تمسك بأي واحد منهما لم يضل، وأن القرآن فيه بمنزلة قوله من تمسك بفلان لم يضل، ولو قال ذلك لكان التمسك بأي واحد منهما حصل لا يكون ضلالاً، كذلك قوله كتاب الله وعترتي، كأنه قال من تمسك بكتاب الله لم يضل وبعترتي لم يضل.

  فإن قيل: إن المتمسك بهم لا يضل؟، فمن أين أنه يجب التمسك بهم؟.

  قيل له: لا أحد قد قال إن المتمسك بهم لا يضل في كل مسألة إلا قد قال بأن إجماعهم حجة، ولأنهم أجمعوا على أن التمسك بهم واجب، فوجب أن يكون المتمسك بهذا القول غير ضال، فإذا لم يكن ضالاً فلا بد من وجوب الإقتداء بهم.

دليل آخر: [آية التطهير ودلالتها على حجية إجماعهم]

  وهو قوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}⁣[الأحزاب: ٣ ٣]، فهذا الرجس: إما أن يكون ما يبتلى به البشر، وذلك لا يجوز، لأنه معلوم خلافه ضرورة.

  وإما أن يكون المراد به أنه أزال عنهم المعاصي بحيث لا يجوز اختيارها، وذلك لا يجوز، لأنه يؤدي إلى زوال تكليفهم إذا لم يكونوا مختارين في ترك المعاصي، فإذاً يجب أن يكون المراد أنه تعالى فعل بهم ما لا يختارون عنده المعاصي كما لا تختار الأمة.

  ولا يجوز حمله على أن المراد به إبعاد وسوسة الشيطان عنهم، لأنه يحمل عليهما جميعاً، إذ لا تنافي بينهما، ولأنه ما أحد قاله وخص الآية بالعترة وقال المراد بها إبعاد الوسوسة، وعلى الترتيب الذي رتبناه يسقط سؤال من قال: إنه لا يجوز إذهاب الرجس عنهم، لأنه يقتضي إزالته، وذلك لا يجوز، لما تقدم عند الكلام في التكليف، فالظاهر لا يمكن الإحتجاج به، لأنا قد حملنا المراد بالرجس على