الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[دلالة خبر المنزلة على الخلافة]

صفحة 26 - الجزء 1

  استخلافه على ما إليه التصرف فيه من أمر أمته، وقوله حكاية عن موسى # في مخاطبته هارون #: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}⁣[طه: ٩٢، ٩ ٣]، يدل على ما قلناه أيضاً، لأنه خطاب الآمر للمأمور، [والتابع للمتبوع، والمستخلف للخليفة].

  وقوله تعالى عن هارون # {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}⁣[طه: ٩٤]، وقوله تعالى حكاية عنه {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}⁣[الأعراف: ١٥ ٠]، يدل عليه أيضا على ما نقوله، لأن هذا من اعتذار المأمور إلى الآمر والتابع إلى المتبوع، فالكلام في هذا الباب أظهر من أن يحتاج إلى الإطالة فيه.

  وأما دلالة الإجماع: فإنه لا خلاف بين المسلمين بأن هارون كان تابعاً لموسى # وكان شريكاً له في النبوة ومتصرفاً بين أمره ونهيه، وخليفة له عند غيبته على قومه.

  فإن قيل: يجوز أن يكون خليفة له مع كونه شريكاً له في النبوة ومستحقاً لها، وله التصرف في الأمور من حيث كان نبياً، لأن استحقاقه لذلك من حيث كان نبياً يقتضي أن تكون ثابتة لها غير موقوفة على إذن موسى #، وكونه خليفة له يقتضي أن تكون موقوفة على إذنه واسخلافه، وهذان الوجهان يتنافيان؟.

  قيل له: الجواب عن هذا من وجهين:

  أحدهما: أنا لو سلمنا أن هارون # مستحقاً للتصرف في هذه الأمور ابتداء لم ينافِ ذلك استخلاف موسى # إياه على ذلك، لأن المعلوم من حال هارون # وإن كان شريكاً لموسى # في النبوة فإنه كان تابعاً ولم يكن يَسُوغُ له التصرف في هذه الأمور إلا بمراجعته وموافقته، ولم يكن إليه الإستبداد بذلك.

  يبين صحة ما ذكرنا: قوله تعالى عن أصحاب السامري لما نهاهم هارون # عن اتخاذهم ما اتخذوه {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}⁣[طه: ٩ ١]، وإنما قلنا ذلك، لأن هارون # لم تكن جرت عادته [أن] يأمرهم وينهاهم مستبداً بذلك دون موسى #، ولولا ذلك لم يكن وجه لهذا الكلام، لأن القوم لم يكونوا ينكرون نبوة هارون #،