الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[الفائدة من تشبيه أمير المؤمنين بهارون دون يوشع]

صفحة 34 - الجزء 1

  الأحوال التي ذكرها السائل تقدمت هذا الخبر، والأصح فيه أن رسول الله ÷ قال ذلك قبل مُضِيِّهِ صلى الله عليه وآله بمدة يسيرة، فبان بما ذكرناه سقوط ما أورده السائل.

[الفائدة من تشبيه أمير المؤمنين بهارون دون يوشع]

  فإن قال: لو أراد النبي ÷ استخلافه بهذا الخبر لشبهه بخليفة موسى على أمته وهو يوشع بن نون، ولم يشبه بمن لا يلي الأمر بعده.

  قيل له: هذا الذي ذكرته هو تخيير الأدلة على ناصبها وذلك فاسد، لأن الأدلة توضع بحسب الصلاح، والحكيم متى أزاح العلة في بيان ما قصد بيانه، ومكن من الوقوف على مراده، فَتَشَهِّي الأدلة من بَعْدُ عليه فاسد.

  ألا ترى أنه لا فصل بين من يقول من المشبهة لو أن الله تعالى أراد نفي الرؤية عنه بقوله {لا تدركه الأبصار}⁣[الأنعام/١٠٣]، لكان يقول لا يراه الرآؤون، ولا يبصره المبصرون في حال من الأحوال.

  وبين من يقول من الجبرية لو أن الله تعالى أراد أن يبين أن أفعال العباد غير مخلوقة له لم يكن يقول {أحسن كل شيء خلقه}⁣[السجدة/٧]، بل كان يقول كلما هو قبيح في عقول العقلاء لم يخلقه ولم يخترعه، وقد علمنا فساد هذه الطريقة، فكل ما يؤدي إليها يجب أن يكون فاسداً.

  وقد ذكر في فائدة تشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين # بهارون # دون يوشع بن نون وجوه: -

  منها: أنه صلى الله عليه وآله لو شبهه بيوشع بن نون لكان قد دل على خلافته، ولم يدل على أنه أفضل الأمة في حياة رسول الله ÷، وتشبيهه بهارون # يقتضي الخلافة والتفضيل، فوجب أن يكون هذا أولى.

  ومنها: أن استخلاف موسى # لهارون # مذكور في القرآن ليس لأحد دفعه واستخلاف موسى # ليوشع ليس مذكوراً فيه، فأراد صلى الله عليه وآله أن يدل على خلافته بأوضح الأمرين وأبعدهما من الشكوك والشبهة.