الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الطريقة الثانية: [إبطال دعوى إجماع الصحابة على إمامة أبي بكر]

صفحة 64 - الجزء 1

  للأسباب التي جرت من مبايعة كثير من كبار المهاجرين له، وانضمام بشير إليه وهو رئيس الأنصار حسداً لابن عمه سعد بن عبادة، وخشية أن يعقد الأمر له، ورأى أمير المؤمنين ~ وسلم الكف عن طلب الأمر خشية من انتشار كلمة الإسلام، وطمع المشركين به لقلة الأنصار والأعوان وأهل الثقة، سكت هؤلاء المخالفون سكوت الإضطرار، واستمر بهم ذلك الحال لاستمرار الأسباب الداعية إلى السكوت، والسكوت إنما يدل على الرضى إذا لم يكن هناك وجه يقتضيه سوى الرضى، فأما مع جواز أسباب تقتضيه سوى الرضى فإنه لا يدل على الرضى، وإذا كان هذا هكذا فأمر أبي بكر بين ظهور الخلاف في الأول وسكوت من المخالفين في الثاني لا يقتضي الرضى ولا يدل عليه، فأين الرضى والإجماع عليه والإطباق؟. ! لولا العناد، فنسأل الله العصمة منه.

  ويبين صحة ما ذكرناه: أن إجماع الأمة على القول إنما يعلم لوجوه:

  منها: أن يضطر إلى رضاهم بذلك.

  ومنها: أن يطبقوا على إظهار القول به على وجه مخصوص.

  ومنها: أن يسكتوا عن نكيره ويكون الحال لا يعلم منها أنه لا وجه للسكوت إلا الرضى، ومتى جُوِّزَ أن يكون سكوتهم لوجه سوى الرضى لم يقتض ذلك إجماعهم، وهذه الوجوه كلها مفقودة في العقد لأبي بكر على ما بيناه، فثبت أن الإجماع لم يحصل فيه على وجه من الوجوه.

  ووجه آخر: وهو أن هذا الضرب من الإجماع الذي ادعوه قد حصل في قتل عثمان، قتل بحضرة المهاجرين والأنصار وهم بين مباشر لقتله وبين ساكت عنه، لا يظهر نكيراً، ولا يبدي خلافاً، وهذا على طريقتهم يوجب إطباق الصحابة على كونه مستحقاً للقتل، وأصحابنا المعتزلة يأبون هذا، فليس لهم أن يجعلوا مثله أصلاً في الإمامة لأبي بكر.

  فإن قال: قد روي إنكار ذلك من جماعة منهم، حتى قال أمير المؤمنين # (والله ما قتلت عثمان ولا مالأت عليه في قتله)، وروي أنه أنفذ بالحسن والحسين @ ينصروه، والذين كانوا معه في الدار لا شك أنهم أنكروا قتله؟.