الكلام على الخوارج فيما أنكروه من التحكيم
  لهم أن دلائل الكتاب والسنة توجب طاعته والإنقياد له، وتمنع من معصيته ومخالفته، استصلاحاً له ولأصحابه، وتسكيناً للفتنة، ودفع الضرر الذي يخشاه متى لم يفعل عند كف أكثر أصحابه عن القتال، وتوانيهم وتخاذلهم، وهذا واضح بحمد الله تعالى.
  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون هذا الفعل قبيحاً من حيث يوهم أنه شاك في نفسه وغير متيقن أن الحق معه؟.
  قيل له: ما في شيء مما فعله # ما يوجب ذلك، لأن المهادنة عند الحاجة إليها لا توهم أن المهادن شاك في أمر نفسه، كما لم يوهم ذلك ما فعله النبي ÷، ونَصْبُ من يبين الحق ويورد أدلته لا يوهم ذلك أيضاً، وكما أن المحق إذا انتصب لمناظرة المبطل وقال له أنا راض بحكم النظر بيني وبينك، وما يوجبه دليل العقل والكتاب فعلى كل واحد منا اتباعه وترك العدول عنه، لم يوهم ذلك أنه شاك في الدين وغير قاطع على أن الحق معه دون المخالف الذي خالفه، وعلى هذه الطريقة جرت العادة في الإستدعاء إلى الدين، وتبيين الحق للمخالفين.
  فإن قالوا: لا يخلو حال القوم الذين التمسوا التحكيم من وجهين: إما أن طاعة أمير المؤمنين ÷ واجبة عليهم قبل تلك الحال، غير واجبة عليهم قبل ذلك إلا بعد النظر والتحكيم.
  فإن لم تكن واجبة عليهم قبل ذلك وجب أن يكون قتالهم معصية.
  وإن كانت واجبة عليهم فطلب التحكيم معصية منهم وإجابتهم محظورة؟.
  قيل له: طاعته # كانت واجبة عليهم وعلى الجماعة، وحجته لازمة للكافة قبل التحكيم وبعده، وقد كان # قَدَّمَ قبل قتالهم من الدعاء ما لم يلزم الإمام تقديمه، وكان طلب التحكيم منهم معصية، إلا أن إجابته # إياهم إليها والحال في خوف الفتنة العظيمة، وانتشار الكلمة عند كف أصحابه عن القتال، وحثهم إياه على الإجابة، على ما بيناه وحكيناه كانت طاعة الله تعالى لا يجوز خلافها، لأن أحوال الضرورة يحسن فيها ويجب ما لا يجب ولا يحسن مع سلامة الأحوال.
  ألا ترى أن المكره على كلمة الكفر ليظهرها على غيرها يحسن منه ما لا يحسن مع سلامة الأحوال، والأصل الذي يجب أن يعتمد في هذا الباب أن قتال البغاة من أهل القبلة كان أمراً حادثاً