الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الكلام على الخوارج فيما أنكروه من التحكيم

صفحة 70 - الجزء 1

  في أيامه #، ومزيد تكليف عظم الله ثوابه # على تحمل المشقة العظيمة التي لا يصبر عليها إلا من هو على مثل حاله # في قوة البصيرة، وإيثار الدين في جميع أحواله، واطراح الدنيا وقلة الفكر فيها، إلى سائر ثوابه الذي صار به أفضل الأمة وأزكى الصحابة، فإنما كان ذلك أمر لم يعهده القوم ولم يألفوه وكان أدنى عارض يعرض يؤثر في قلوبهم وتضعف نياتهم إلا على أهل البصائر القوية منهم أعيان المهاجرين والأنصار، الذين كانوا قد علموا ما قد سبق من النبي صلى الله عليه وعلى آله من أمره # بقتالهم وحثهم عليه، وتعريفه ما له من الثواب العظيم على تحمله، وحث أصحابه على معاونته، وتحذيرهم من مخالفته، حين يقول صلى الله عليه وعلى آله «ستقاتل من بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين، وسيلحقك كذا ويلحقك كذا» فيقول #: (على سلامة من ديني يا رسول الله)؟. فقال: «في سلامة من دينك» فيقول: (لا أبالي).

  ولما التمس المشركون محو ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله من كتاب الصلح أمره بذلك صلى الله عليه وآله فانزعج # من تولي ذلك إعظاماً لذكره وإجلالاً لما أجل الله من قدره، فقال صلى الله عليه وآله «ضع إصبعك على الموضع لأمحوه وستبلى بمثله».

  وحين يقول لعمار ¥ «ستقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك من الدنيا شربة من لبن».

  وحين يقول لأزواجه: «أيتكن صاحبة الجمل».

  وحين يقول للزبير: «لتقاتلنه وأنت ظالم له».

  وقال: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه».

  وبشره # بقتل ذي الثدية، فلما قَتَلَ # الخوارجَ يومَ النهروان أَمَرَ بطلبه، وقد كان أخبر أصحابه بما عرفه النبي صلى الله عليه وعلى آله من أمره فلما أخذوا في طلبه وظهر له من بعض أصحابه الشك والتحير فيه قبل استخراجه أخذ # يقول: (اطلبوه، فوالله ما كذبت ولا كذبت) جارياً على طريقته في وقة بصيرته، إلى أن استخرج الرجل من القتلى كما وصفه، وكبر وكبر والمسلمون، وإذا كان الحال على ما ذكرنا شاع في هذا الأمر من الأفعال المؤدية إلى المصلحة ما لا يسوغ في غيره عند سلامة الأحوال على ما بيناه.