فصل يتصل بهذا الباب
  واستشهد خزيمة بن ثابت الأنصاري |: على ظهور حاله في فضله وسابقته، إلى غيرهم ممن لم نذكرهم خشية من إطالة الفصل قويت(١) بصائر أصحاب أمير المؤمنين في المجاهدة، وعلموا أن لهم بهؤلاء المتقدمين من المهاجرين والأنصار أحسن القدوة، وتفخذوا في القتال حتى ظهرت أمارات الغلبة، وأحس القوم بالعجز والضعف، حتى روي أن مالكاً الأشتر قد كان قارب فسطاط معاوية لعنه الله فالتجأ القوم عند هذه الحال إلى المكيدة التي التجأوا إليها برأي عمرو بن العاص لعنه الله من شد المصاحف على الرماح، وإظهار الرضى بحكم الكتاب، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من إيقاع الخلاف بين أصحاب أمير المؤمنين صلى الله عليه وعلى آله، وكف أكثرهم عن القتال للمكيدة التي أظهروها، والشبهة التي التجأوا إليها، فاضطرب أصحاب أمير المؤمنين # عند ذلك، وكف أكثرهم عن القتال، وقالوا: (لا نقاتل من يدعونا إلى حكم الكتاب، ويرضى به، وقد أنصفنا قومنا، وسبيلهم أن يجابوا إلى ما التمسوا) فخطبهم أمير المؤمنين صلى الله عليه وعلى آله ووعظهم، وبين لهم خطأ ما هم عليه من التماس إجابة القوم إلى ما أرادوه، وأن الواجب هو الإستمرار على مجاهدتهم، لأن الذي أظهروه هو من مكائد معاوية وعمرو بن العاص لعنهما الله، وقال لهم: (أو لسنا على كتاب الله، ونحن متمسكون به، والقوم قد نبذوه وراء ظهورهم، فامضوا على أمره) فلم يقبلوا منه، ولم يصغوا إلى قوله: حتى سمع من ورائه بعضهم: (إن أجبتم وإلا قتلناكم كما قتلنا عثمان بن عفان) وقال بعضهم: (فعلى ما ذبحنا الثور الأعفر) وقرأ بعضهم {يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}[آل عمران/٢٣]، تعريضاً به #، ومخالفة لما روي أنه أمر بإقامة النداء في مباكرة القتال ليعرف ويحدد الذين يريدون طاعنه وإجابته، فلم يأته من كل قبيلة إلا الاثنان و الثلاثة، حتى لم يحضره من همدان وهم الذين كان يعتمد عليهم إلا تسعون رجلاً، وأكثر من كان يعتمدهم أمير المؤمنين # في استصلاح أصحابه ونصحهم، وجلة القوم من كبار المهاجرين والأنصار كانوا قد استشهدوا، فلم يمكنه # ردهم عما أرادوه، وخاف على نفسه وعلى بيضة الإسلام، فاضطر إلى إجابة القوم إلى ما التمسوه من المهادنة، ووضع الحرب إلى رأس الحول لينظر في حكم الكتاب،
(١) جواب لما في أول الفصل.