[من قتل مع علي # من الصحابة في صفين وتفصيل أمر التحكيم]
  ويعمل بموجبه، فلما عقدت الهدنة على ذلك بدا لأكثر هؤلاء الذين كانوا خالفوه والتمسوا منه إجابة القوم إلى ما أرادوه، وندموا على ذلك، وهم الذين صاروا من بعد خوارج، أكثرهم مع نسكهم جهال متشددون في التورع من غير علم ولا معرفة، فقالوا له #: (قد كفرنا بمخالفتك ودعائك إلى ما دعونا إليه من إجابة القوم، وكفرت أنت بالقبول وقد تبنا عن ذلك، فتب أنت وانقض هذه الموادعة لنعيد الحرب كما كانت)، فقال لهم #: (أما أنتم فقد أخطأتم في مخالفتي، وأما أنا فلم أفعل في تلك الحال إلا ما يجب، وأما نقض العهد فلا يجوز حتى تنقضي مدته)، فخرجوا بأجمعهم عن البلد وصاروا خوارج، فأنفذ إليهم أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله عبدالله بن العباس ليعظهم ويحاجهم في ذلك، ففعل ما أمره # فلم يقبلوا منه، فسار إليهم أمير المؤمنين صلى الله عليه وعلى آله بنفسه فحاجهم فرجعوا معه، ثم بدا لهم فخرجوا وكان من أمرهم ما كان لا رحمهم الله.
  وبعث معاوية لعنه الله إلى أمير المؤمنين # وقال: (رضينا بحكم كتاب الله ولكن الكتاب لا ينطق ولا بد من حكم يحكم به، ونحن قد اخترنا عمرو بن العاص، فاختر أنت حكماً من جهتك)، فاختار عبدالله بن عباس، وقال له: (ابعثني يا أمير المؤمنين فإنه لا يعقد عقدة إلا حللتها)، فامتنع من ذلك الأكثر من أصحاب أمير المؤمنين #، وقالوا: (نختار أبا موسى) فإن أكثرهم كانوا من اليمن، وأبو موسى منهم، وأحبوا أن يكون لهم ذكر في الأمر، فروي أنهم جاءوا به وعلى رأسه برنس يزفونه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب # فقالوا: (ارض به يا أمير المؤمنين فقد رضينا به) فقال #: (أجئتم به مبرسناً، إنه لضعيف كيده، فأتوا بسواه)، فلم يفعلوا، فاضطر # إلى مساعدتهم على ذلك بعد ما شرط عليه أن يحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وأن لا يعدل عن ذلك، وقال # لأصحابه: (إن حكم بما شرطت عليه، فهو الذي نقويه على أمرنا، وإن حكم بغير ذلك فحكم ساقط عن المسلمين، واللهُ ورسولُه والمسلمون منه براء)، فخرج وأقدم على ما أقدم عليه، وأنت إذا تأملت هذه القصة من أولها إلى آخرها لم تجد فيها متعلقاً على شيء من أفعال أمير المؤمنين #، وعلمت أنه لم يعدل فيها من طريق الحق والدين، وموجب العقل والكتاب والسنة.