فصل: في بيان ما يعتبر في الإمامة من الفضل وحال الأفضل
  الناس وأشد تقدماً فيها، فهو بالإمامة أولى، ولا يجوز العدول عن الأفضل فيها، أو من هو كالأفضل أولى ممن هو دونه على وجه من الوجوه.
  فإن قال قائل: ما الذي تعنون بقولكم إن من كان أفضل فيها فهو أولى بالإمامة، أتريدون بذلك أنه يكون فوق الناس كلهم في جميع الفضائل أو في بعضها؟.
  قيل له: كون الإنسان أفضل فيها يكون على أقسام:
  منها: أن تكون هذه الخصال مجتمعة فيه ومتفرقة في غيره.
  ومنها: أن يكون فوقهم في خصلة أو خصلتين منها، أو مساوياً لهم في سائرها.
  ومنها: أن يكون في بعضها وهم أيضا فوقه في بعضها، إلا أن الخصلة التي يفضل عليهم بها هي أخص الأمور التي يحتاج الإمام لأجلها وأشد تعلقاً بها، إما لشيء يرجع إليها، أو إلى الوقت، فمتى كان الإنسان أفضل في هذه الخصال التي بيناها على ما ذكرناه من الأقسام، كان بالإمامة أولى، ولم يجز العدول عنه إلى من هو دونه في حال من الأحوال.
  فإن قال: فمن أي طريق تعلمون اختصاص الرجل بهذه الأمور، أتقولون إن العلم بذلك يحصل من جهة الأخبار أو على جهة الإختبار؟.
  قيل له: العلم بما ذكرناه يحصل للخواص على التفصيل، وللعوام على الجملة متى اختلطوا بالناس وعاشروهم، وسمعوا أخباراً كما يحصل لنا العلم بالبلدان التي لم نشاهدها، وبالوقائع والحوادث، وبالملوك وأحوالهم، والمذاهب ونقلتها في البلدان وأربابها، والمتقدمين فيها في كل زمان، وكالعلم بالتجار، وأهل الثروة والأمانة منهم، وكالعلم بأهل الصناعات، والمحذقين منهم فيها، ولا فصل بين من يدفع العلم بما ذكرناه وبين من يدفع العلم بالأمور التي عددنا، وهذا باب يعلمه كل عاقل من نفسه، وتجويز الشك في ذلك يؤدي إلى الشك في الضروريات، ولولا ذلك لبطل الأكثر من أمور الدين والدنيا، لأنا قد عرفنا أن العوام مأمورون بالرجوع عن الحوادث والمشكلات إلى أهل الورع والدين والأمانة من العلماء، ولو كان السبيل إلى معرفتهم من الوجوه التي ذكرناها لبطل هذا