الكلام في التفضيل وما يتصل بذلك
  التقييد، وقد علمنا أيضا أن الناس محتاجون إلى معرفة الحذاق من أهل الصناعات وأهل الأمانة منهم، ولو لم يكونوا متمكنين من معرفتهم لبطل أكثر أحوالهم، وهذا مما لا لبس فيه.
  فإن قال: إن كان لكم طريق إلى معرفة من يختص بهذه الفضائل من الوجوه التي ذكرتم، فمن أين لكم الطريق إلى العلم بحال الأفضل منهما، مع ما قد عرفتم من اختلاف الناس في ذلك، وتفاوت أحوالهم في باب الفضل، وربما اشترك اثنان في الفضل، ويختص كل واحد بضرب من الفضل دون الآخر، فيلتبس الحال منهما ولا يمكن القطع بتفضيل أحدهما على الآخر، أو يكون بينهما أفضل إلا أنه يدق أو يخفى؟.
  قيل له: العلم بحال الأفضل في هذه الخصال يحصل كما يحصل العلم بحال الفاضل فيها لمن يختلط بالناس ويسمع أخبارهم، ألا ترى أن أصحاب أبي حنيفة لا يخفى عليهم حال من هو أفضلهم في فقهه أو كأفضلهم في كل زمان، وكذلك أصحاب الشافعي، وكذلك حال المتكلمين، وكذلك الكلام في التجار والصناعات، ألا ترى أن حال الصناع في الصناعة والمحذق فيها لا يخفى على الناس، ولهذا يتمكن الملوك من استحضار المحذقين في الصناعات والمتقدمين فيها متى احتاجوا إليهم.
  وأما قوله: إن الحال في هذا الباب ربما تلتبس في الاثنين حتى لا يمكن الفصل بينهما: فإنه لا يقدح فيما ذهبنا إليه، لأن الحال إذا بلغت هذا المبلغ في الخفاء لم يجز تمييز أحدهما عن الآخر، ويكون حكمهما حكم المتساويين في الفضل، على أن معرفة طريق هذا الباب سهل واضح على مذهب الزيدية، لأن استحقاق الإمامة عندهم مقصورة على بيت مخصوص، وحال الأفاضل من أهل البيت لا يخفى في كل وقت وزمان، لأن عدد من يحصل منهم ممن يصلح للإمامة أقل من أن يقع اللبس فيه، وهذا واضح بحمد الله تعالى.