الدعامة في الإمامة،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

دليل آخر: [الإجماع على أن عليا أفضل الصحابة]

صفحة 88 - الجزء 1

  فإن قال قائل: ولم قلتم إن تفضيل أبي بكر على الجماعة فاسد؟.

  قيل له: الدليل على ذلك: إطباق الصحابة على أنه ليس بأفضلهم، وذلك أن أبا بكر أخبر بذلك عن نفسه، فقال على المنبر (وليت عليكم ولست بخيركم) ولم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك، ولم يحك عن واحد أنه قال له بل أنت أفضلنا، وإنما الذي حكي في هذا الباب أن بعضهم قال (أنت أحق بهذا - أو نحن لا نقيلك، وإن رسول الله ÷ قد ملكك في أمور ديننا ونحن نرضاك في أمور دنيانا) وما يجري مجراه، وما ادعى أحد أنهم ردوا عليه هذا القول وقالوا بل أنت أفضلنا وأخير منا.

  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون المراد بهذا القول أنه ليس بخيرهم نسباً؟.

  قيل له: هذا تخصيص الظاهر من غير دلالة دلت عليه، فالظاهر يوجوب أنه ليس بخيرهم نسباً ولا فعلاً، وأيضاً فإن هذه اللفظة إذا أطلقت في عرف الشرع لم يعقل منها النسب، لأن قول الناس خير الناس بعد رسول الله ÷ فلان وليس بفلان، أو خير التابعين فلان وليس بفلان، إنما يعقل منه الفضل في الدين ولا يعقل منه النسب، وأيضاً فإن الخبر بأن يحمل على ما يستفاد من جهته أولى من حمله على ما هو معلوم ومتقرر في النفوس حتى لا يكون وجود الخبر وعدمه في ذلك سواء، وقد علمنا أن الحال في نسبه وأنه ليس أفضل من نسبة الجماعة معلومة عند القوم مقررة في نفوسهم فحمل الخبر على ما يفيد من جهته أولى، ووجه الفائدة في أنه لما ولي الأمر لم يبعد أن يظن كثير من الناس أنه إنما ولي ذلك لكونه أفضل منهم فأراد إزالة هذه الشبهة.

  فإن قال: ما أنكرتم أن يكون إنما قال هذا القول تبكيتاً للنفس وقهراً لها، وإظهاراً للتواضع، وإبعاداً للنفس عن الكبر والإعجاب، لأن الولاية تلزمهم - من تمنع من هذه الأحوال في أنفسهم لامتداد الأعناق إليهم، واجتماع الناس تحت طاعتهم - ما لا يلزم غيرهم.

  قيل له: تتبع أحوال الناس لا يسوغ أن يكذب الإنسان على نفسه، ويخبر أنه ليس بأفضلهم وقد فضله الله تعالى، ألا ترى أن رسول الله ÷ مع كثرة تواضعه وزيادة حاله في هذا الباب على أحوال الناس أجمعين، ولم يقل قط هو لا يوهم نقصان محله الذي أحله الله تعالى فيه، ولا