تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة إبراهيم

صفحة 258 - الجزء 1

  اليوم من الاستواء من بعد أن تصير كالمهل، والمهل فهو: شيء يكون كالدهن يخرج من صفو القطران، فذكر الرحمن أنها تكون في يوم الدين كالمهل السائل، بعد التجسُّم الهائل، وهو قوله سبحانه: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ١٠}⁣[الدخان: ١٠] يريد: أنها تعود إلى ما كانت عليه من الدخان، ثم ترد السموات مطبقات، كما خلقت من الدخان أولاً سموات مقدرات مجعولات، تبييناً منه سبحانه لقدرته، وإظهاراً لنفاذ أمره فيما افتطره من فطرته.

  فهذا معنى ما ذكر الله من تبديل الأرض والسماء، لا أنه يذهب بهما ويخلق سواهما من غيرهما.

  وإنما تبديله لهما وتغييره: نقلهما من حالة إلى حال، والأصل واحد مستقيم، غير فانٍ ولا معدوم.

  مَثَلُ ذلك: مثل خلخال من ذهب أو فضة كُسِر، فصُيِّر خلخالاً أوسع منه قدراً، فكأن قد بدلت خلقته، وغيّرت صيغته، ونقلت حالته من حال إلى حال، ومن مثال إلى مثال، فبدل تصويره وأصلُ فضته ثابت لم يبدل ولم يغير، وإنما غير منها خلقها وتقديرها، وصورتها وتمثيلها، والأصل ثابت قائم، موجود من العدم سالم.

  وكذلك تبديل ما يبدل من الحديد، فيكون أولاً سيفاً، ثم يرد خنجراً، ثم يجعل الخنجر سكيناً، ثم تنقل السكين فتجعل أوتاداً وسككاً، فهو ينقل من حال إلى حال، وهو الحديد الأول لم يتغير ولم يبدل، وإنما المتغير منه تصاويره وتقاديره، ونقل أحواله ومقاديره، فهو الحديد الثابت يجعل مرة سيفاً كما ذكرنا، ويقلب ثانية