ومن سورة الإسراء
  والأمانة على صنوف شتى: فمنها: قول الحق وفعله، ومنها: أداء الشهادة على وجهها، ومنها: أداء الحقوق إلى أهلها، من الأنبياء المرسلين، والأئمة الهادين، ومنها: الوادئع من الأموال وغيرها.
  ومنها: العقود التي قال الله تبارك وتعالى فيها، وفيما عظم من خطرها، وأجل من أمرها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١].
  فكل ما ذكرنا فهو أمانة عند العالمين، واجب عليهم تأديتها عند رب العالمين.
  وأحسن ما أرى - والله أعلم وأحكم - في تأويل قوله سبحانه: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ٦}[الرحمن: ٦]، أنه أراد بقول: {يَسْجُدَانِ} ومعنى {يَسْجُدَانِ} فهو: لما فيهما من التدبير، وأثر الصنع والتقدير، لله الواحد القدير. فإذا رأى المعتبرون المؤمنون ما فيهما من جليل صنع الله، وعظيم جعله لهما، وما سخرهما له وجعلهما عليه، من جَولان النجم في الأفلاك، تارة مصعداً، وتارة منحدراً، وتارة طالعاً وتارة آفلاً، تقديراً من العزيز العليم، لما أراد من الدلالة على الدهور والأزمان، والدلالة على عدد الشهور والسنين والأيام للإنسان، فإذا رأى ذلك كله مسلم تقي، أو معتبر مهتد، سجد له بالمعرفة والإيقان، واستدل عليه سبحانه بذلك الصنع في كل شأن، فَعَبَدَه عِبَاَدَةَ عارف مقر، عالم غير منكر، فسجد له متذللاً عارفاً، مستدلاً عليه سبحانه بما أبصر من الدلائل في النجوم عليه.
  وكذلك حال الشجروما فيه من عجائب الصنع والتدبير، وما ركَّبه الله سبحانه عليه من التقدير، في ألوان ثمارها وطعومها، واختلاف ألوانها، وهي تسقى بماء واحد، وتكون في أرض واحده، كما قال الله سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ