ومن سورة الكهف
  ذلك، لم يبعث الرسول إليهم! ولم يحتج ببرهانه عليهم! وكانوا عنده في تركهم لذلك معذورين، وكانوا على ذلك مثابين، إذ هم لما أرسل إليهم به غير مستطيعين، وقد قال الله سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧]، فكيف يكلفهم الإئتمار، وقد حجب قلوبهم عن الاعتبار، فتبارك الله العزيز الجبار، بل معنى قوله ﷻ ذلك: هو إنكار لقولهم الذي قالوا حين دعاهم الرسول إلى الحق، وترك ما هم عليه من الباطل والفسق، فقالوا له استهزاء وعبثاً: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ٥}[فصلت: ٥]، فقال الله سبحانه لنبيه ÷، يحكي قولهم، ويرد كذبهم عليهم، فقال: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً}[الكهف: ٥٧] يريد سبحانه: أئنا جعلنا على قلوبهم أكنة كما قالوا؟! وفي آذانهم وقراً كما ذكروا؟! بل الزور في ذلك قالوا، وبالباطل تكلموا.
  فأراد بذلك معنى الإنكار عليهم، والتكذيب لهم والتقريع بكذبهم، وتوقيف نبيه ÷ على باطل قولهم، وجليل ما أتوا به من محالهم، فقال: {إِنَّا}، وهو يريد: أئنا، فطرح الألف استخفافاً لها، والقرآن فعربي، إلى النور والحق يهدي، والعرب تطرح الألف من كلامها وهي تريدها، فيخرج لفظ الكلام لفظ إخبار ونفي، وهو تقريع وإيجاب، وتثبتها وهي لا تريدها، فيخرج لفظ الكلام لفظ شك، ومعناه: معنى خبر وإيجاب، في كل ما جاءت به من الأسباب.