تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة النور

صفحة 348 - الجزء 1

  الحجة في ذلك أن يقال له: إن الخلق ليسوا متصرفين في علم الله، وإنما هم متصرفون في معلومات الله، والعلم محيط بهم، وهم يتصرفون في معلوم إلى معلوم، وكلهم غير خارج مما وقع عليه علم الله، مما كان أو يكون، فما كان من تصرف الخلق في أفعالهم التي هي معلومات الله، فقد جاءت على ما علم الله، من إختيار خلقه للفعل الذي تصرفوا فيه، فكل ما تصرف فيه الخلق من أفعالهم فهو: باختيارهم فعلوه، والهوى والإختيار أدخلهم فيه، وأفعالهم هذه لله معلومات، بإحاطة الله سبحانه بها، وعلم الله فلم يخرجهم من شيء معلوم، ولم يدخلهم في معلوم، وإنما وقع علم الله على اختيارهم، وعلى صور آخر أمرهم، فأحاط بكل الأشياء خُبرا، ولم يدخلهم بعلمه في شيء جبرا.

  فافهم ما يتصرف الخلق فيه من معلومات الله، واعلم أن الخلق لا يتصرفون في علمه، لأن العلم خلاف تصرف الخلق، وتصرف الخلق خلاف العلم، وإنما يتصرف الخلق في أفعالهم، وأفعالهم هي معلومات الله، فافهم الفرق بين المعلوم والعلم، بَيِنْ لك ما فيه التصرف من أفعال الخلق إن شاء الله.

  ثم قلت: إن قال المعارض لنا: أليس قد علم الله أن فرعون يعصي ولا يطيع، فَلِمَ أرسل إليه موسى وهارون؟! وكذلك إلى غيره من الجبابرة والفراعنة، قد أرسل إليهم الرسل وهو يعلم أنهم لا يطيعون؟!

  الجواب في ذلك، أن يقال له: قد علم الله أنهم لا يطيعون، ولم يعلم أنهم لا يقدرون، على أن يطيعوه، وعلم أنهم يسعصون، ولم يعلم أنهم لا يقدرون على