ومن سورة ص
  في المنزل، أخرجوه صلى الله عليه إلى ناحية منهم على خط الطريق، وليس يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا، واشتد به البلاء، وهو مع ذلك صابر محتسب، فلما كان يوم من الأيام مضى به نفر، فلما رأوه ونظروا إلى ما هو فيه من عظيم البلاء، وشدة النتن، قالوا: والله لو كان هذا ولياً لله لأجابه ولكشف ضره، ولما أصابه شيء من هذا! فلما سمع ذلك من قولهم، {نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ٤١}[ص: ٤١].
  فجاز أن يقول: مسني الشيطان، لما أن ذلك من وسوسته وكيده وسببه.
  فاستجاب الله له فقال: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ٤٢}[ص: ٤٢]، ولم يقدر أن يرفع يدا ولا رجلا، فضرب بعقبه فانبثقت عليه عين ففارت وارتفعت حتى كانت أكثر من جلسته، فجعلت تنسكب عليه وهو يغتسل بها، وهي تقلع عنه كل ميت، وتنقي عنه ما كان به من الأقذار، وتميط عنه الأذى، وجعل يشرب منها، وتُخرج ما في جوفه من العلة، حتى تنقى بدنه، ورجع إلى أفضل ما كان عليه أولا، ورد الله عليه أهله وماله، وأمره أن يأخذ ضغثا فيضرب به المرأة كفارة اليمين التي حلف، فقال بعض الرواة أنه أخذ من هذا الذي يكون فيه التمر فجمع منه مائة غصن فضربها به ضربة، وقال بعضهم: أنه ضربها ضربتين، واختلف في ذلك، غير أن الصحيح من ذلك أنه قد جمع ضغثا فضربها به.